الثلاثاء، 24 مايو 2011

أمريكا وصناعة "الإسلام المعتدل الليبيرالي" ‏



Feb 20 2011, 10:26 AM


كاتب المقال محمد إبراهيم مبروك





بانتهاء الحرب العالمية الثانية ينتقل مركز الثقل الغربي إلى أمريكا، ومن ثم قيادة الفكر البراجماتي الأمريكي للعالم الغربي ‏بوجه عام، وتحول الغرب التقليدي إلى الغرب الأمريكي أي المهيمن عليه أمريكياً، وهو الآمر الذي تم تعميمه على العالم ‏كله بسقوط الاتحاد السوفيتي حيث غدت الأمركة نظاماً عالمياً جديداً لا يجد مارقاً يتحداه سوى الإسلام.‏
والفلسفة البراجماتية هي الفلسفة التي تخضع حقيقة كل الأشياء لما يمكن أن تجلبه من مصلحة من ورائها.‏

ومن هذا المنطلق وضع "وليم جيمس" منظر هذه الفلسفة نظريته البراجماتية للدين، فالدين يكون صحيحاً من وجهة نظره ‏مادام يقدم نفعاً عملياً للمعتقد به، ولكن ترى ما هذه المنافع التي يريدها "جيمس" من الدين؟، إنه يحددها في التالي:‏

الراحة – الهدوء – السكينة – الطمأنينة – السلام – الاغتباط – المشاعر المتدفقة التي تلهب الصدور وتبعث الحركة في ‏الحياة أي أن "جيمس" أراد من الدين أن يكون مجرد مسكن أو مخدر يستطيع الإنسان من خلاله مواصلة حياته بطمأنينة ‏وحماسا أكبر، وبهذه الصيغة اصطبغت الحياة الدينية الأمريكية إلى الحد الذي يقول عنه "هارولد بلوم" في كتابه (الدين ‏الأمريكي – 1992): "إن المسيحية تجربة براجماتية أمريكية، وإن "يسوع الأمريكي" أقرب لما هو أمريكي مما هو ‏مسيحي".‏

ومن الطبيعي بعد الهيمنة الأمريكية على العالم والعالم الإسلامي بوجه خاص أن يعمل الأمريكيون على صبغ الدين ‏الإسلامي نفسه بهذه الصبغة البراجماتية والذي يعنيه هذا هو العمل على توظيفه لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة، ‏وكان المخطط المقترح لتطبيق هذا المنهج هو العمل على صناعة ما يُسمى بـ"الإسلام الليبرالي الديمقراطي"، والعمل على ‏تسييده في المنطقة.‏

وخلاصة هذا الإسلام الليبرالي أنه إسلام يتم تفريغه من الداخل من العقائد والقواعد والأحكام التي يتم استبدالها بمحتوى ‏علماني يسقط كل ما له علاقة بالوحي والمقدس والمرجعية الإسلامية ويضع مكانه العقل والمصلحة كمرجعية وحيدة ‏للإنسان في تصوراته وسلوكه بينما يحتفظ بالشعارات والمظاهر الدينية من الخارج.. إسلام مزيف يتفق مع العلمانية ‏والديقراطية والعولمة الأمريكية ومبادئ حقوق الإنسان الغربية ومقررات المؤتمرات النسوية، ويتفق مع كل شيء في العالم ‏إلا مع الإسلام الحقيقي نفسه.‏
إسلام يدعو إلى السلام والتسامح والتعايش ويعادي الجهاد والمقاومة ومواجهة المظالم أو يغض الطرف عنها تماماً. ‏

ويوجد الآن أكثر من تيار يعمل على توجيه سياسة الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامي والإسلاميين بوجه خاص ‏ويتراوح الأمر مابين التطويع لخدمة المصالح الأمريكية ومابين التحجيم والمواجهة الحاسمة للإسلاميين الأصوليين. ويرى ‏أصحاب الاتجاه الأول مثل مؤسسة كارنيجي ومركز سابان ومركز بروكينجز تطويع فكر بعض الاتجاهات الإسلامية ممن ‏يسمون بالإسلاميين المعتدلين بما يتوافق مع المصالح الأمريكية العالمية وذلك عبر المؤتمرات المتتالية تدور مايسمى ‏بالحوار الغربي الإسلامي، هذا فضلاً عن اللقاءات الخاصة وتهدف الى العمل على إشراك هذا النوع من الإسلاميين في ‏الحكم والنفوذ في مقابل التأويل الإقصائي لثوابت مرجعية في الإسلام مثل الحكم والشريعة والجهاد.‏
أما الاتجاه الثاني الذي يرى التحجيم والمواجهة للإسلاميين الأصوليين فتقوده مؤسسة راند التابعة للمخابرات الأمريكية ‏وهي أكبر مؤسسة فكرية في العالم وقد أصدرت تقريرين حول الموضوع في عامي 2003 ، 2007 الأول يدور حول ‏تحجيم الإسلاميين الأصوليين ومساندة العلمانيين والحداثيين، أما الثاني فيذهب الى أنه لابد من إعادة تفسير مبادئ الإسلام ‏لتستجيب للمصالح الغربية بل وجوب إستخدام الإسلام نفسه في مواجهة الإسلاميين الذين يجب وصمهم بالإرهاب ‏والتطرف والجمود، بل يذهب التقرير الى وجوب دعم وتقوية العلمانيين في مواجهة الإسلاميين وتهميش سيادة الدول ‏وتقليص قدرتها على التصدي للمشروع الأمريكي والمتتبع للسياسات الأمريكية في المنطقة يرى أنها تجمع مابين كل هذه ‏الاتجاهات.‏


صنــاعة النجوم:‏

كثيرا ما تسمع الناس في عالم الفن عما يسمي بصناعة النجوم والمقصود بذلك أنه قد يكون هناك فنانون كثيرون موهبون أو ‏غير موهوبين، أما أن يتحول بعض هؤلاء إلى نجوم ملء السمع والبصر وموضوع الاهتمام الدائم من الجمهور فهذه مسألة ‏أخرى تنشط من أجلها صناعة إعلامية متخصصة تنفق الأموال هنا وهناك وتسلط الأضواء وتختلق الحكايات وتنشر ‏الإشاعات كل ذلك ليتحقق غرضها في صناعة هذا النجم أو ذاك .‏

ليس هذا فقط بل أنه غالبا ما يصاحب ذلك صناعة أخرى هي صناعة إجهاض النجوم أو تدميرهم وذلك لإفساح الطريق أو ‏إفراد الساحة لهؤلاء النجوم الآخرين المقصودين بالتكريم وذلك بالتضييق علي الأولين أو تشويههم أو تعمد إغفال أعمالهم ‏بأي إشارة إلى درجة منع ذكرهم تماماً في الجرائد والقنوات والأجهزة الإعلامية الأخرى أو نشر الفضائح القائلة حولهم .‏

ولكن المشكلة الكبرى فيما لا يعلمه الناس أن ذلك يحدث في عالم الفكر والسياسة أكثر كثيراً مما يحدث في عالم الفن . ‏والمسألة لا تكون هنا بغرض الربح المستهدف وراء صناعة النجم أو بهدف بلوغ الغاية المنشودة من النجمة المقصودة ‏ولكن بهدف إيصال فكرة معينة أو القضاء على فكرة معينة؟ أو إشاعة حالة سياسية أو فكرية معينة أو إجهاض حالة سياسية ‏أو فكرية معينة أو فعل كل ذلك أو بعضه معاً .‏

وليس شرطاً أن يكون فعل الصناعة هذا من الأصل أو يستمر طوال الوقت وإنما هي مسألة تدور تبعاً للمصلحة والغرض ‏ويكفى فيها تبنى الشخص المناسب في فترة ما لتحقيق أغراض معينة ويكون ذلك من خلال دفعه أكثر إلي توجهات نمت ‏بدايتها لديه من الأصل حتى يحقق هذه الأغراض تدريجيا سواء ًكان ذاك بالإغراء أو الضغط أو كلاهما معاً .‏

ومن أكثر الاعتقادات الشائعة والمدمرة في نفس الوقت لدى الجمهور الاعتقاد بأن انتشار الشخص أو تواجده في أجهزة ‏الإعلام هو تعبير عن درجة نبوغه أو أهميته والحقيقة غالبا ما تكون عكس ذلك تماماً خصوصاً في الأجهزة الإعلامية ‏التابعة التي تقود منطقتنا فانتشار الشخص يكون تحديداً .. وأعود وأقول تحديداً .. وأعود وأقول مرة أخرى.. تبعاً لقدرته ‏على تحقيق الأغراض السياسية والفكرية والاقتصادية للقيادات التي تقف وراء هذه الأجهزة وتقودها إليها أو تضغط عليها ‏تجاهها .‏

ليست هناك تعليقات: