الثلاثاء، 24 مايو 2011

الحكام العرب وحالة الإنكار


Feb 6 2011, 07:33 AM



في علم النفس عرّفوا "حالة الإنكار" – Denial- بأنها عدم الاعتراف أو التصديق، وتكون حين يتلقى الإنسان صدمة

بواقع غير مريح له وغير مقبول عنده، أو يصعب عليه فهمه والقبول به..

والشخص المصدوم بهذا الواقع – غير المقبول عنده - يظهر الإنكار لهذا الواقع من قبله على وجهين:

الأول: أنه يعترف بهذه الحقيقة التي تواجهه لكنه يُنكر جديتها.

الثاني: أنه يعترف بهذه الحقيقة ويعترف بجديتها لكنه يُنكر مسؤوليته.

ويقولون في نظرية الإنكار أنها ناتجة عن عقلية غير مكتملة، من جهة تحملها للمسؤولية والتعاطي معها بشكل سليم.

وهذا الفهم لمعنى " حالة الإنكار" يدفعني مباشرة إلى ربط هذا المعنى بالحالة التي عليها الحكام في بلاد المسلمين،

ذلك أنهم على الحقيقة يعانون من شيء ما!! مرض ما – إن جاز أن نسميه - ينتشر بينهم كالحمى،

فهل تنطبق عليهم هذه الحال؟

ثارت ثائرة المسلمين في تونس، وانقلبوا على نظامهم الذي يحكمهم، وخرجوا في تظاهرات دامية، والأسباب معلومة واضحة:

ظلم وقهر وامتهان وسرقة ونهب وتعذيب يفضي في كثير من الأحيان الى الموت.

فكيف تعامل معها النظام؟

في البداية قمع الناس، وقتل منهم من قتل، وعذّب من عذّب

النظام في هذه الحالة واجه حقيقة وهي: أن الشعب عبّر عن كل معاني الظلم التي يرزح تحتها بالانتفاض عليه

والخروج في تظاهرات عارمة تطالب برحيله.

فكيف كانت ردّة فعله:

لم يعترف في بداية الأمر بهذه الحقيقة، أنكرها وأنكر وجودها، حاول الإيحاء بأن فئة من المخربين غير الحريصين على

البلاد وأمنها خرجوا عن القانون ويجب محاسبتهم بشدة دون رأفة ولا رحمة.

فهو لم يعترف بهذه الصدمة مطلقاً..


ثم انتقل إلى مرحلة ثانية، اعترف فيها بأن هناك من يتظلمون، ومن يعبرون عن مآسيهم التي يرزحون تحتها،

لكنه لم يحمل الأمر على محمل الجد!!

ثمّ لما استفحل الخطب، وادلهمت الأحوال بانت له جدّيتها وخطورتها، فخرج عليهم ليقول لهم: أنا فهمتكم.

ظاناً أنه بهذا يعطيهم ما يريدون، ويلبي ما يطلبون، وهو حقيقة بهذه الكلمات الجوفاء كان قد أدرك الواقع تماما

غير أنه لا يريد هو بعينه أن يتحمل المسؤولية عمّا يجري!!

إلى أن اضطر جبراً عنه أن يخرج من " حالة الإنكار" هذه، وعادة ما يكون الخروج من هذه الحالة عند المصاب بها

بصدمة عظيمة وهزّة عنيفة أعظم وأعنف من بدايات المرض فيها.

فكان ما كان، وعلم الحقيقة وخطورتها، ثمّ حُمّل المسؤولية جبراً عنه، لأن أمثالهم لا يرضون طواعية أن يتحملوا المسؤولية

لأنها عظيمة وأكبر منهم.

وكذا حصل مع نظام مبارك،

مع فارق واحد وهو أنه ونظامه لم يصلوا بعد إلى حالة تحمّل المسؤولية عن تلك الحقيقة التي يواجههم بها الشعب،

فاشترك النظامان في نوعية الصدمة، ودخولهما في حالة الإنكار، ثم الاعتراف بجديتها وخطورتها.

وفي باقي الأنظمة يعملون على تحصين أنفسهم من مثيل تلك الصدمة التي حصلت في تونس ومن ثمّ في مصر،

ويحاولون أخذ التدابير للحيلولة دون استفحال حالتهم.

فهم أيضاّ دخلوا في مرحة الإنكار، غير أن عوارض مرضهم لم تظهر لهم " بجلاء ووضوح" كما حصل مع تونس ومصر،

ويحاولون أخذ نوع من اللقاحات علّهم – بظنهم – يقضون على المرض الذي سيصيبهم أو يؤخرون حصوله مع قناعتهم

بأن بوادره وأعراضه بدأت بالظهور. وستستفحل، وسنشهد حالات الإنكار التي سيعيشونها

ثم نشهد نهاية مرضهم المفضي بإذن الله إلى زوالهم.

ليست هناك تعليقات: