الثلاثاء، 24 مايو 2011

سيدي هو الله, لا اله الا هو...

Apr 1 2011, 10:32 AM



لا شكّ أن وعي الناس اليوم يختلف عنه قبل عقد من الزمان، ولا شكّ أيضاً أن أمة الإسلام اليوم ليست على الحال الذي كانت عليه من قبل من ناحية سعة اطّلاعها على الأحداث التي تعصف بهم، والأمواج المتلاطمة التي تميل بهم يسرة ويمنة، ولست في معرض البحث الآن في أسباب تغيّر هذا الوعي –زيادته وارتفاع وتيرته- سواء كان السبب وجود الجماعات العاملة بين الأمة – مصيبها ومخطئها – أو كان سهولة الحصول على المعلومة – نسبياً- مقارنة بالتعتيم الشديد المحكم الذي كان يلفّ وعي الأمة ويحجب عنها كلّ ما يهمها أو يثيرها أو يؤثر فيها أو يرشدها إلى وجهتها الصحيحة...

كلمتي المختصرة هذه أتناول فيها أمراً واحداً لا غير:
وهو إصرار فئة من الناس – بعض من مثقفيها وعلمائها ومفكريها- بالتعاطي مع حكام اليوم والرؤساء تعاطياً يدل على احترامهم لهم واستمرار ولائهم لهم،
وأريد أن أشدد على أن احترام هؤلاء لهؤلاء لا ينفصل بحال عن احترامهم لكلّ واقعهم وكلّ ماهم عليه
إذ لا يمكن بحال أن أفهم كيف يمكنني أن أحترم هذا الحاكم وفي ذات الوقت لا أحترمه في زاوية معينة،
الحاكم أو الرئيس أو الملك هي مكانة أو صفة اعتبارية إما أن احترمها كلّها أو لا أحترمها
والمسألة هنا لا علاقة لها بالشخوص، من ناحية الأخلاق والطيبة وووو. الخ- بل هو: الحاكم كلّه أو الرئيس أو الملك بصفته هذه لا بأي صفة أخرى،
ولكي أبين القصد أكثر وبشكل أوضح:
حين يذهب أحدنا إلى طبيب – عافاكم الله جميعاً من كلّ شر- فاني حين أسأل عنه لا أسأل عن طيبته، ولا عن تواضعه ولا عن أخلاقه، مع أنها كلّها من الصفات المحببة بل الواجب تحصّلها عنده، فإني أسأل عنها وأسأل عن الأهم من صفاته وهي: ما مدى اتقانه لعمله وهل هو حاذق فيه عالم بعلومه أم لا؟
ذلك لأني حين احتجته إنما كانت حاجتي هنا: للطبابة والحذاقة فيها.

 وحين أتحدث عن الملك والحاكم والرئيس إنما أتحدث عنه بصفته تلك مع أهميّة الاعتبارات والمعاني الأخرى الرديفة ( من مثل الأخلاق والطيبة وهكذا)
عودة إلى الملوك والرؤساء والقادة الذين يحكمون في بلاد المسلمين:
حين أخاطب أحدهم قائلاً: سيدي الملك، سيدي الرئيس، سيدي القائد
فإني بهذا أخلع عليه وصف السيادة، التي تدل على الاحترام لهذه المكانة ولشخصه، والاحترام لا يتجزأ
فلا يكون الاحترام عند من يناديه بــ "سيدي" 50%، ولا 90% ولا 99%
وإنما بإطلاقته تلك عليه دلّ على احترامه وتقديره له...وبالتالي قبوله له و " لكل" ما هو عليه.

فإن وقفنا وقفة بسيطة على معاني " سيدي" نجد أن من معانيها مثلاً ما جاء عند ابن منظور:

ذكر بن منظور في لسان العرب :

السيد: يطلق على الرب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، ومحتمل أذى قومه، والزوج، والرئيس، والمقدم.


فهل ملوك اليوم والرؤساء والقادة ينطبق عليهم شيء من الشرف أو الفضل أو الحلم أو احتمال الأذى؟

و ابن شميل قال : السيد : الذي فاق غيره بالعقل والمال والدفع والنفع ، المعطي ماله في حقوقه المعين بنفسه ، فذلك السيد .
فهل منهم من يدفعُ وينفعُ ويُعطي المال؟ ونحن نعلم حال سرقاتهم التي أزكمت رائحتها الأنوف؟
وهل منهم – وهم كلّهم لا يقيمون لله دين ولا شرع- نافع لشعبه دافع عنهم الشرّ؟
أم أنهم كلهم دون استثناء: جالبين للشرور دافعين للخيرات؟

قال عكرمة : السيد الذي لا يغلبه غضبه. وقال قتادة : هو العابد الورع الحليم.
أنراهم على هذا الحال أم نراهم يسبق غضبهم وشرّهم؟
أم أنهم عُبّاد ورعون؟

روى مطرف عن أبيه قال : جاء رجل إلى النبي ، صلى الله عليه آله وسلم .
فقال : أنت سيد قريش ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : السيد الله

قال أبو منصور : كره النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يمدح في وجهه ، وأحب التواضع لله تعالى ، وجعل السيادة للذي ساد الخلق أجمعين

ليس من باب عدم جواز اطلاقها على نبي الله تعالى، إذ هي جائزة، ولكن من باب أن نبي الله تعالى مع مكانته عند ربّه تعالى وعند الناس يرفض المدح في وجهه ويُؤثر أن نُطلق كلمة سيّد على الله تعالى.

وليس هذا بمخالف لقوله لسعد بن معاذ حين قال لقومه الأنصار:
قوموا إلى سيدكم ، أراد أنه أفضلكم رجلا وأكرمكم.

كذلك قوله صلوات الله عليه : أنا ســيـد ولـد آدم يوم القيامة ولا فخر .
أراد أنه أول شفيع وأول من يفتح له باب الجنة ، قال ذلك إخبارا عما أكرمه الله به من الفضل والســؤدد ، وتحدثا بنعمة الله عنده ، وإعلاما منه ليكون إيمانهم به على حسبه وموجبه ، ولهذا أتبعه بقوله ولا فخر ، أي أن هذه الفضيلة حسبه وموجبه ، ولهذا أتبعه بقوله : ولا فخر ، أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله ، لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بقوتي ، فليس لي أن أفتخر بها.

أما أن نطلق هذا الوصف على حكام اليوم ملوكاً ورؤساء فهو يعني عند من أطلقها:
أنهم: أفضلنا، أتقانا، أعلمنا، الدافعون للشر الجالبون للخير، أكرمنا، أرفعنا منزلة ومكانة، الشرفاء، الفضلاء
وكلّ هذه الإطلاقات يجب أن نفهم أنها غير معزولة عن واقعهم كحكام وليس لذات شخوصهم
فمن يقول لهم: سيدي، فهو سيده في شخصه، سيده في أنظمته وقوانينه وتشريعاته، سيده في كلّ ما ارتضاه ذاك الحاكم من أنظمة وضعية طاغوتية لا علاقة لها بدين الله تعالى.
وبألفاظ أخرى: من يقول للحاكم الذي هذه صفاته " سيدي" فكأنه يقول له:
أنت ونظامك وتشريعاتك وقوانينك وطاغوتينك...سيدي.
فهل يجوز لمسلم يدين بالحاكمية لله وحده، وبالربوبية لله وحده أن يقبل بحاكم ليس فيه مما يحب الله ويرضى شيء؟
أم أنه النفاق والتزلف والمداهنة في أمر عظيم؟ أمر الحاكمية؟
فليربأ كلّ من آمن بالله رباً وإلهاً بنفسه من أن يكون هذا حاله، فهي والله من المهلكات لمن علم معانيها ودلالاتها وأصرّ عليها بعد علم.

فليس القاتل لشعبه، الناهب لخيراتهم، المنتهك لأعراضهم، الموالي لأعدائهم، المعادي لهم ولدينهم
المطبّق للطاغوت النابذ لدين الله...سيّداً لمن آمن بالله واليوم الآخر
سيدنا هو الله لا اله الا هو.

والحمد لله ربّ العالمين.

ليست هناك تعليقات: