Apr 13 2011, 04:13 PM
نزلت بالأمة – وما تزال- البلايا والرزايا والفتن، وتتعرضُ في ليلها ونهارهما للمحن وعظائم الأمور
وحين تريد الأمة أن تشخص بأبصارها طلباً للفكاك من هذه المحن فإنها تفكر بكم، وتفكر بجيوشها، تلتمس عندكم النصرة والعون لتخليصها مما هي فيه.
فقد رسخ في وجدان أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن العلماء لهم قوة ومنعة، وأنهم أصحاب رأي ومواقف، وأنهم أهل لنصرة كل ضعيف مستضعف، وأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، وأنهم كانت تهابهم الأمراء وتحسب لكلماتهم كلّ حساب،
هذا ما كان راسخاً في وجدان المسلمين، ورسوخه لم يكن من فراغ، ولا من توّهم، ولا من شيء سمعوه في قصة أو كتاب، وإنما كان راسخاً من المشاهدات المحسوسة، والوقائع التي لا ينكرها أحد، ومن المفاصل في حياة الأمة التي أثبت العلماء على أرض الواقع أنهم كانوا إن تكلموا زمجروا، وإن غضبوا لله ارتعدت فرائص المعتدين الظالمين
لأنهم علموا تمام العلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهما استقامة الحياة وسبب للنجاة من العذاب يوم لقاء الله، فكان من وصل منهم إلى درجة العلم ومنازل العلماء أدرك تماماً عظم الحال الذي هو عليه، وجسامة الأمانة التي بات يحملها، والدور الرائد الذي يرشده إليه علمه ومكانته بين الناس وعند الله
فكان بهم ذيوع الخير، وبهم أيضاً اندراس الشر...
فكانت لهم وقفات ووقفات، عزّ بهم الإسلام وأهله، وذلّ بهم الطغاة والمتجبرون
يروى أن هشام بن عبد الملك قدم حاجا إلى مكة فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة.
فقيل: يا أمير المؤمنين قد تفانوا.
فقال: من التابعين.
فأتي بطاووس اليماني العالم الجليل رحمه الله.
فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ولم يسلم عليه بإمرة المؤمنين.
ولكن قال: السلام عليك يا هشام. ولم يكنه وجلس بإزائه.
وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبا شديدا حتى همّ بقتله.
فقيل له: أنت في حرم الله وحرم رسوله, ولا يمكنك ذلك.
فقال: يا طاووس, ما الذي حملك على ما صنعت؟.
قال: وما الذي صنعت.
قال هشام: خلعت نعليك بحاشية بساطي ولم تقبّل يدي ولم تسلم بإمرة المؤمنين ولم تكنني وجلست بازائي دون إذني وقلت كيف أنت يا هشام؟!.
فقال: أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك فاني أخلعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب عليّ, وأما قولك لم تقبّل يدي فاني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: لا يحلّ لرجل أن يقبّل يد أحد إلا امرأته من شهوة أو ولده من رحمة.
وأما قولك لم تسلم عليّ بإمرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بإمرتك, فكرهت أن أكذب, وأما قولك لم تكنني فان الله سمّى أنبياءه وأولياءه فقال يا داود ويا يحيى ويا عيسى, وكنّى أعداءه فقال تبّت يدا أبي لهب وتب. وأما قولك جلست بإزائي فاني سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام.
فقال هشام: عظني.
قال: سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول: إن في جهنّم حيّات كالقلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيّته. ثم قام وخرج.
(وفيّات الأعيان 2\510)
هكذا كان العلماء أيها العلماء، وهكذا كانت وقفاتهم ومواقفهم ألا تتعظون؟
وهذ ا السبكي - رحمه الله - في '' السيف المسلول على من سب الرسول '' يبين سبب تأليفه للكتاب فيقول : كان الداعي إليه أن فُتيا رفعت في نصراني سب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلم ، فكتبت عليها : يقتل النصراني المذكور كما قتل النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن الأشرف ، ويطهر الجناب الرفيع من ولوغ الكلب ... وليس لي قدرة أن أنتقم بيدي من هذا الساب الملعون ، والله يعلم أن قلبي كاره منكر ، ولكن لا يكفي الإنكار بالقلب ها هنا ، فأجاهد بما أقدر عليه من اللسان والقلم ، وأسأل الله عدم المؤاخذة بما تقصر يدي عنه ، وأن ينجيني كما أنجى الذين ينهون عن السوء ، إنه عفو غفور
أيها العلماء:
تقتيل الناس وهتك أعراضهم، والدوس على كراماتهم وتجويعهم وحرمانهم من أدنى معاني العزة والعيش الكريم أصبح هو القاعدة، والشاذ هو أن يكونوا آمنين في سربهم، قادرين على تحصيل قوت يومهم مع عيالهم، آمنين على كراماتهم من أن تهان!!
منذ أن غابت شمسُ دولة الإسلام عن الدنيا ونحن في بلايا تتبعها رزايا، وفي طامّات تتبعها مُهلكات
والمصيبة أنكم من الناس وبين الناس لكنكم تسكتون!
ترون بأم أعينكم كلّ ما يجري من ذلّ وهوان من الطواغيت الحكام وأنتم على أحوال:
فمنكم من يبارك أفعالهم ويزين لهم سوءاتهم ويصفهم بولاة أمر تجب طاعتهم، متجاهل لقواعد من دين الله تقول بأنهم ليسوا ولاة أمور، لم تنتخبهم الأمة، ولا يحكمون بشرع الله، ويمكنون أعداء الله من بلادنا وخيراتنا ويستضيئون بنار الكفار دون إنكار منكم!!
فهذا في صفّ الحاكم، له ما له وعليه ما عليه، لأنه رضي به وتابعه.
ومنكم من يتكلم على استحياء، لا يميل إلى الناس حتى لا يغضب عليه حاكمه، وعنده ذرة من حياء فلا يميل إلى الحاكم صراحة من هول ما يرى من مصائب تقع فوق رؤوس الناس، ومن سفك وهتك وتضييع.
وهذا لا خير فيه، ذلك أن مقام الأمر بالمعروف هنا آكد، ومقام النهي عن المنكر آكد آكد، ولا مجال للوقوف بين البينين، فكما أن المسلمين مستهدفين من هؤلاء الحكام تقتيلاً وتدميراً، فكذا الإسلام مستهدف منهم تضييعاً وتغييباً وكذا أنتم تفعلون بموقفكم هذا الذي أنتم فيه لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء
ومنكم من رفع الصوت ونطق بالحق،لم يخف من الحاكم ولا خاف عاقبة مقولة الحق في وجه طاغية من هؤلاء الطواغيت، وهؤلاء قلة قليلة مع ما فيهم من خير، والمطلوب أن تكون مواقفهم على مستوى الأمة وما يصيبها من نوازل، ولا يكتفوا بكلمة هنا وخطبة هناك، ولا يظننّ أحدهم أنه بكلمة قالها قد رفع عن نفسه الملومة أمام الله والناس، بل يجب أن يعلم أن العيون إليه ناظرة، والقلوب إلى مواقف الحقّ منه مترقبة، وأن المسلمين ينتظرون منه وممن هم على شاكلته أن يرجعوا قاد كما كان العلماء من قبلهم قادة للأمة يرشدونها وينصحونها ويتقدّمون الصفوف في مواجهة أعداء الله من الحكام الطواغيت وأشياعهم.
فهذا أبو حنيفة رضي الله عنه يقول:" إن لم يقل العالم الحقّ تقية فمن سيقول الحقّ وكيف يظهر الحقّ وكيف يعلم الجاهل الحقّ ".
فما القول إن كانت المسألة ليست فتيا ولا بيان حكم مسألة جزئية هنا أو هناك؟ بل المسألة:
دماء تُراق من قبل الحكام في بلاد المسلمين
وأعراض تُنتهك منهم أيضاً
وأطفال أصبحوا بفعل الحكام وجرمهم أيتاماً
وكرامات يدوسون عليها بنعال أنظمتهم الكفرية التي يحكمون الناس بها دون شرع الله
وإذلال وامتهان للبشر في كلّ صغيرة وكبيرة من شؤون حياتهم
ولما طفح بالمسلمين الكيل وثاروا على حكامهم قامت قيامتهم، فكشروا عن أنياب حادة مسمومة، فأحالوا حياة البشر جحيماً، ودمروا البيوت فوق رؤوس أهلها، واستخدموا طائرات وأسلحة ما كنا نراها حين يعتدي عليهم بنو يهود والأمريكان!!
إذن، فالناس عند الحكام شرّ من اليهود والأمريكان، وأعداء للحاكم وزمرته أكثر من اليهود والأمريكان والغرب كلّه!!
وكلّ هذا يقع تحت بصركم وأمام شبكة عيونكم أيها العلماء فلماذا بربكم تصمتون؟؟
ولماذا بربكم لم تقشعر أبدانكم ولم تتمعّر وجوهكم غضباً وحرقة على الدماء والأعراض؟؟
أيها العلماء:
فوربّ الكعبة إنكم محاسبون
فلا تجعلوا حسابكم على يدّ أمتكم حين ينصرها ربنا تعالى في الدنيا...وهو ناصرها
قوموا لأصل عملكم وهدف حياتكم يا رعاكم الله!!
انهضوا من التخاذل الذي نراه وقد نهض لعزّته وكرامته كلّ مسلم وقليل قليل منكم!!
اعلموا أن الحكام – وأنت قطعاً تعلمون – أنهم يمقتونكم حتى وإن زينتم لهم
يشمئزون منكم حتى وإن أعنتموهم بالقول أو العمل أو حتى السكوت
اعلموا أنهم يعلمون أن مواقفكم هذه إما لخوف أو لمصلحة...فهل تقبلون لأنفسكم هذا الذّل من الأذلة؟
هل ترضون لأنفسكم أن ينظر لكم الأذناب نظرة دونية حتى لو أطعتموهم؟
إن كانوا هم أذناب وينظرون لمن يسكت منكم على فسادهم على أنه ذيل لهم وتابع، فأي مكانة هذه التي أنتم فيها يرحمكم الله؟
وأي درك وضعتم أنفسكم فيه؟ بقبولكم لهم تكونون قد قبلتم منازل دون الدونية، وأحطّ من المنحطة الهابطة
فهل هذا ما يعلمكم إياه علمكم وشرع ربكم تجاه حكام الضلال وتجاه أمتكم؟!
ورب الكعبة إنا لنربأ بكم أن تكون هذه حالكم، ولا مكانتكم
ربكم سبحانه لا يرضاها لكم، بل فوق ذلك يعدكم بعذاب من عنده عظيم...فهل تصبرون على النار؟!
أنقذوا أنفسكم من سخط الناس، فشهادتهم عليكم يوم لقاء ربكم توردكم المهالك إن استمر سكوتكم وخنوعكم
حذا إن لم تقتص منكم قبل لقاء الله والعذاب العظيم.
أما من علم منكم واستقام على دين الله وأنكر منكرهم ورفع الصوت لا يخشى إلا الله فإنا والله لنغبطه على مكانته عند الناس وعند الله، ولا يكتفينّ بموقف، بل يستمر على درب الأنبياء والرسل إلى أن يأذن الله
إما بنصر من عنده وهم شهود
وإما بكرامة المنزل مع سيّد الشهداء حمزة
اللهم ارفع عن أمة محمد ما تجد وتعاني
وانصرها نصراً مؤزرا يا ربّ العالمين.
والحمد لله ربّ العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق