الثلاثاء، 24 مايو 2011

بل ثورات طيبة مباركة



Apr 18 2011, 02:51 PM



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه:

تساؤلات من هنا وهناك متعلقة بوصف ثورات الأمة هذه الأيام بأنها طيبة ومباركة، فبعضنا يصفها بالمباركة، وبعضنا لا يقبل أن توصف بهذا الوصف..
أحاول هنا أن أجيب على هذه التساؤلات، ولكي أفعل لا بدّ أن أرجع إلى الخلف قليلاً
والقليل هذا يصل مداه الزمني إلى الوقت الذي هدمت فيه دولة الإسلام
فهو وقت " مفصلي " في تاريخ أمة محمد صلوات ربي وسلامه عليه، ومفصلي في حالتها.
فقبل هذا التاريخ كانت الأمة تعيش كأمة واحدة، وعاش معها وبينها أهل الذمّة نصارى ويهود...
لهم حقوق يأخذونها وعليهم واجبات يؤدونها
التاريخ، وما كانت عليه الأمة من حال قبل هدم دولتهم، ليس محل بحث الآن بالنسبة لي إلا من زاوية أن المسلمين حينها لم يكونوا يقتّلون ولا تنتهك أعراضهم ولا تطأ الأقدام كراماتهم، ولا يحكمهم الكافر مباشرة ولا بشكل غير مباشر، ولا يسلب خيراتهم ولا يسخرهم عبيداً تحت نعال مصالحه.
بعد هدم دولة الإسلام، وتشتيت المسلمين شذر مذر في أصقاع المعمورة دون حارس ولا راع يحميهم ويدفع عنهم
تملّكهم أعداء الله، أي أصبحوا يملكونهم:
يملكون قرارهم
يملكون بلادهم
يملكون كراماتهم
يملكون حاضرهم ويتحكمون به خدمة لمصالحهم
وحتى يحرصوا على كلّ ما سبق، اختاروا أذناباً لهم " مبرمجة عقولهم"، فاقدين للإرادة بعد أن أفقدوهم كرامتهم
وخصوا أدمغتهم الا مما يضعونه لهم يها
استأجروهم خدماً، وسخّروهم عبيداً، وأعطوا كلّ واحد منهم قطعة من الأرض سموها دولة.
والناس في تلك الدول إنما هم مزارعون في إقطاعيات الحكام
ولأن الحاكم، وبإرشاد من أسياده، لا يستطيع وحده أن ينظم أمور الناس وضع معه أناساً يعينونه، هؤلاء لا يختلفون عن الحاكم في شيء: مسلوبي الإرادة بعد الكرامة، تهمهم مصالحهم ومنافعهم و..خدمة سيدهم
سموهم وزراءً، أو مدراءً، أو رؤساء أجهزة أمن الحاكم وزبانيته.

ولا ننسى، ولا نتجاهل، ولا نغض الطرف عن أن هؤلاء جميعاً خدم عند أسيادهم بني هرقل وغيرهم.
فكيف أمسى حال خير أمة أخرجت للناس تحت حكم أراذل الناس:
قهرُ ُ وذلُ ُ والأذى ألوان
فلا ترى منهم ألا القتيل أو الجريح أو الذليل أو المهان أو السجين

وتحوّل طيبُ المقام في بلاد المسلمين إلى مقامات الدونية، حتى أضحى للكلاب فنادق خيالية وللبشر
بيوت سقوفها السماء وفراشها التراب، وأصبح بعض المسلمين لا يجدون طعاماً إلا في حاويات النفايات
وسُقينا الذلّ من شرق ومن غرب حتى تجرعناه كأساً من عذاب
وأصبح أذناب الكلاب –الحكام- هم الآمر الناهي في كلّ أمور حياتنا بأمر من أسيادهم وتوجيه منهم
الذين ذلت رقابهم لبني هرقل وأذلوا معهم المسلمين في أقطار الأرض، حتى أصبح الحال كما قال الشاعر:
كلاب الروم تنبح في حمانا...وتمرح في السهول وفي الهضاب
وأسدُ المسلمين تئن قهراً...وتشكوا الدهر ويلات المصاب
أفقوا –ويح قومي- من سبات...فنذر الشؤم تُنذرُ بالخراب


واستبدل أراذل الناس – الحكام – شرع الله بشرع من لا دين له إلا المنفعة والمصلحة
واستبدادهم هذا ليس ليكون نظرياً، بل ليكون عملياً يطبّقونه على خلق الله وعباد الله
فسادت مفاهيم عفنة -لا تصلح إلا لقوم عفنين- حياة المسلمين وأرضخوهم لها
والناس فقدوا الحيلة، وفقدوا الإرادة، وخضعوا خضوعاً مذلاً مهيناً جبراً لا بالرضى ولا بالاختيار
وطبعاً لا نتحدث عن فئة من المسلمين هنا أو هناك، أو أفراد منهم بين حين وآخر تحركوا رفضاً للذل والهوان
فلاقوا ما لاقوا من صنوف العذاب قتلا وسجناً وتهجيراً..فهؤلاء لم تخلُ فترة من حياة الأمة إلا وظهر منهم من يرفض الحاكم ونظامه ويحاربه...
الحديث عن الأمة كأمة، وعن حالتها العامة تحت ظلّ هؤلاء.

فوصولاً إلى زماننا هذا، لم يزل حال الناس على ما هم عليه –أعني قبل الثورات- فاقدين لإرادتهم، يخافون قمع الحاكم وعذابات رفضه والوقوف في وجهه.
نعلم أن حزب التحرير يعمل في الأمة ومع الأمة لتعود خير أمة أخرجت للناس
وهو يعلم علم اليقين أن الغرب لم يدّخر وسعاً في تخريب عقليتها وصياغتها صياغة تخدمه
فضللها وألبس عليها دينها وشرع ربها، وعبأ الأدمغة بضلالات وانحرافات، بقناعات ومفاهيم منبثقة عن عقيدته
فجعلوا (كلّ أنظمة) الحياة تقوم على أساس تلك المفاهيم والقناعات
فغاب عن وعي الأمة الكثير الكثير من شرع ربها، ولا ننسى أننا نتحدث عن أجيال تتلوها أجيال.
ثمّ ليوغل الغرب في تضليل الأمة وحرفها سخّر " علماء" عليمي اللسان زاد من وقع الضلالات والتضليل
فزينوا القبيح، وحسّنوا كلّ ما كان من غير شرع الله ليدسّوه على الناس على أنه من دين الله أو على الأقل أنه لا يخالف دين الله
فكانت الديمقراطية والعلمانية، وارتاحت فئة من الناس لفكرة فصل الدّين عن الحياة واستحسنوها بعلم أو بجهل.

..... ثم انطلقت هذه الثورات،
ثورات على القهر
ثورات على انتهاك الأعراض والكرامات
ثورات على الظلم والتعذيب
ثورات على من رهنوا العباد والبلاد للغرب ومصالحه
ثورات على كلّ شيء فاسد ومفسد

فهل يحق لهم أن يثوروا على هكذا معان وأحوال؟
من ينكر على المقهور أو يصرخ في وجه قاهره!!
أو على المظلوم أن يزمجر في وجه ظالمه!!
أو على الغيور أن يطأ بقدميه على من انتهك عرضه!!

وأنا أكتب هذه الكلمات الآن خطر هذا الخاطر في بالي:
تخيلوا رجلاً في أوج عظمته وقوته، أصابه مرض مقعد
مرض لم يجعه قادراً على الوقوف على قدميه فضلاً عن السير
أقعده مرضه عقداً من الزمن
والطبيب يحاول معه، ويعطيه جرعات الدواء، ويرفع من عزيمته، ويقوي نفسيته
ثمّ بعد عقد من الزمان رأي الطبيب أن الرجل قد حرّك قدمه اليمنى حركة بسيطة
فبالله عليكم، هل يفرح أم يصرخ عالياً وينظر في وجه المريض ساخطاً قائلاً:
تعبت معك عقداّ من الزمان، أداويك، وأرفع من عزيمتك، وأحرص على أن لا تنهار نفسيتك
ثمّ بعد كلّ هذا تحرك لي قدماً واحدة حركة لا يكاد يراها غيري؟!
بدل أن تقف على رجليك وتجري؟!
فلننظر لهذا الطبيب من زاويتين:
1- كيف ينظر إليه المريض.... تخيلوها معي فلن أقولها
2- كيف ينظر إليه أهل المريض.. أيضاً تخيلوها أنتم

لا شكّ أن من تاهت به السبل، واختلطت عنده المفاهيم إلى حدّ ما عاد يميّز بين الصواب والخطأ جبراً عنه
نزولاً تحت واقع وجد نفسه فيه، فإن أية إشارة تدل على أنه بدأت عنده مجسات التنبه بالعمل فإننا نفرح به، ونسعد لهذه الخطوة ولو كانت عند غير أصحاب البصر الثاقب غير مرئية، وعند أصحاب البصيرة العميّة لا قيمة لها.
أتعجب من شابّ يريد ممن يعالجه من أبناء الأمة مما هو فيه أن يصبح قلباً وقالباً كما يريد الشاب ويحب
كما أن المريض أعلاه ليس من المأمول منه بعد عقد من القعود أن يقوم جارياً راكضاً

الخطوة تتلوها خطوات أيها الكرام، ونفرح للخطوة بعكس القعود وعدم محاولة التحرك فهذا مؤلم
أفلا نقبلُ من المظلوم الذي اعتاد السكوت المدوّي على الظلم أنه بدأ يقول للظالم: يا ظالم؟
ويقول للعميل: أنت خائن؟
ويقول للسارق: يا سارق؟
بلى والله نقبل
ولو كنا نحب أن يقول للحاكم العميل: ارحل، فإنا نريد من يحكمنا بكتاب الله.
هو قطع جزءً من الطريق، فطن له، ولم يفطن بعدُ لما يجب أن يكون عليه الحال 100%
وهذا الجزء الذي فطن له وثار لأجله محمودُ ُ محمود
ومباركُ ُ مبارك.
أفلا يُشعرنا هذا أننا أنتجنا شيئاً مع أمتنا؟
نريد لهم من عقود أن يثوروا للتغيير الصحيح
فثاروا، وإن لم تصل مطالبهم بعد لمفهوم التغيير الصحيح، فهذا دأبُ عملنا في الأمة ومعها
هذا يجعلنا نشعر بشيء من الثمار آذن بالنضوج، فهل نوقف الريّ لأنه لم ينضج دفعة واحدة؟
أرى ترى الفلاح يمهد الأرض ويجهزها، ثم يرويها، ثمّ يزرعها، ثمّ يتعهدها إلى أن تنمو، ثمّ يتعهدها بعد أن تنمو حتى لا يصيبها مرض، ثمّ إذا بدأت بالإزهار يستمر بتعهدها إلى أن يظهر الثمر غير الناضج حتى ينضج؟

ولن أتحدث الآن عن سارقي الثورات، أو محاولي سرقة الثورات، أو راكبي الموجات...فهؤلاء وأمثالهم لا يُستغربً وجودهم ...المهم استمرار العمل واستمرار الجدّ فيه إلى أن يأذن ربي لا اله إلا هو.
والحد لله ربّ العالمين

ليست هناك تعليقات: