الخميس، 29 أبريل 2010

البضاعة الطيبة

إن ذهب أحدنا إلى سوق الخضار
حينها سيرى الباعة ينتشرون هنا وهناك
وكل بائع منهم بين يديه بضاعة يسعى جاهدا لبيعها
فهو كي يبيعها، تراه يعرضها وينادي على الناس ليقبلوا عليه دون غيره خاصة
إن تشابهت البضاعة
فمنهم من يُحسن عرض البضاعة
ويُحسن النداء ليُقبل عليه الناس
فكيف يُحسن عرضها؟
وكيف يُحسن النداء؟؟

يأتي أحدهم ببضاعته ويكون للتو قد اشتراها من المزارع، أو جلبها من مزرعته
فينظفها
وينسقها
يجعل الحجم مع الحجم
واللون مع اللون
يبعد عنها التالف منها كي لا يتلف بقيتها
ويختار لنفسه منبراً، مكانا بارزا يلفت الأنظار ويجلب المشترين

ويُحسن النداء:
فلا يكون منفّرا بصوته
ولا كتوما
لا يصرخ صراخا يُبعد الناس ليبعدوا عن أنفسهم أذى صوته
ولا ينادي طول الوقت دون توقف
بل يختار حدّة الصوت
ونبرته
ويختار الوقت للنداء ويختار لوقت الذي لا ينادي فيه
ويغير من نبرة صوته وحدّته فذلك مدعاة للفت الأنظار
ويختار أن لا يكون نداؤه وألفاظ ندائه متشابهة مع غيره من الباعة
ففي ذلك جلب للآذان لتعلم أن هناك شيء مختلف، شيء يستحق أن نقف عنده
تخيلوا معي بائعا ينادي بأعلى صوته يريد أن يبيع الناس تفاحا
ولنتجاوز عن أسلوبه في النداء
هو ينادي دون توقف، بل ينازع غيره زبائنه ليتقدموا منه هو دون غيره
وعندما يأتيه الناس
يبدأ بوصف ( تفاحه) ومصدره وحجمه ومذاقه الحلو اللذيذ
غير أن الناس تنظر إليه ولا ترى بين يديه ذاك التفاح الذي يصفه!!
يقول لهم إنكم ما ذقتم تفاحا مثله
ولا رأت عيونكم تفاحا بجمال ألوانه
ولا ... ولا ... ولا
وغيره يعرض تفاحا أمام محله، تشاهده العين
حتى لو لم يفرّق الناس، أو لم يستطيعوا أن يفرقوا بين البضاعتين
فإحداها موجود معروض متاح للناس شراؤه وحمله
والثاني يصفه لهم صاحبه ويقارنه مع غيره ولكن لا شواهد عليه بين يدي الناس
فممن سيشترون؟
وكيف ستكون نظرتهم لذاك البائع؟
وهل إن قدموا السوق تارة أخرى وسمعوا نداءه سيُقبلون عليه ويشترون منه؟؟

أنا أزعم أنهم لن يفعلوا

ومهما حاول أن يثبت لهم أن تفاح غيره من الباعة لا يوازي عشر معشار تفاحة نقاوة وحلاوة و....و...الخ.
وحتى إن قال أحد الناس له أن ما اشتراه من غيره قد غشّه فيه وبان له أنه لا يصلح للأكل بعد أن اشتراه!!
فهل سيقتنع المشترى أن بضاعة هذا الرجل أفضل من بضاعة من اشترى منه؟؟
لن يقتنع بالقطع، لأنه لم يذق لها طعما ولم يجد لها في فيه حلاوة، ولم تنبهر عيناه بجميل منظرها!!

هل ما أقوله يا قوم هو خاطرة خطرت في البال؟
أم حلم رأيته في المنام؟
أم مثال وتقريب صورة لأمر في نفسي؟
هو الأخير
تقريب صورة لأمر في نفسي
والصورة التي أردت لها مقاربة هي صورة من يحمل بضاعة الفكر ويريد أن يروّج لها
صورة حامل الدعوة
صورة من ( حمل دعوة) دون أن يحملها
صورة من كانت الدعوة حاملة له بدل أن يكون العكس
الدعوة إلى الله
تلك الأمانة العظيمة التي تعجز عن حملها الجبال لها متطلبات
متطلبات لحملها
ومتطلبات لعرضها
ومتطلبات للدعوة لها
ومتطلبات للدعاية لها
وحتى يوجد حامل الدعوة جميع العناصر تلك
كان لا بدّ من أمر هام أساسي ومصيري له ولدعوته
وهو:
أن تكون تلك الدعوة وتلك البضاعة موجودة مشاهدة لها واقع وليست خيالا ولا أحلاما
أن تكون موجودة في نفسيته
أن تكون موجودة في عقله وحكمه على الأمور
أن تكون موجودة مشاهدة محسوسة بتصرفاته وأخلاقه
وجميع تعاملاته
وإلا فالبضائع كثيرة
وأصحابها كثر
والناس لها الظاهر حتى لو غشّها من غشّها
فلن تعلم أنها قد غُشّت إلا بعد أن تعاني من هذا الغش
ولكي نحمل الدعوة، ونحمل للناس بضاعتها لعرضها عليهم
وجب أن نكون أهلا لحملها
فمن يريد أن يحمل رطلا وجب أن تكون يداه قادرتين على الحمل
وإن أراد أن يبني بيتا لزم أن يوفّر له متطلباته
وإن أراد أن يحمل دعوة الرسل والأنبياء وجب عليه أن يتصف بصفاتهم
ويتحلى بأخلاقهم
فالدعوة طيبة طاهرة نقية
فلا بدّ لوعائها الذي يتسع لها أن يكون من جنسها الطيب
ولا بد له أن يكون طاهرا لطهارتها
ونقيا لنقاوتها
وأن يكون خير سفير لها فهو يمثلها ويعكس صورتها
فالمسألة لم تعد ( هو) بل أصبحت المسألة ( هي)
هو الشخص بعينه
غير أنها هي الدعوة بعالميتها
وشمولها
وحلولها
وسعادة من يعتنق فكرتها
ونجاة من يتبع سبيلها
فهي أكبر من الشخوص
بل أكبر من كل كبير إلا الله الواحد الكبير المتعال
فمن أراد عرضها وجب أن يتحلى بأخلاقها وما تدعو إليه
ومن أراد أن ينادى على الناس لأخذ وحمل بضاعته وجب عليه أن يراعي أنها طيبة
طاهرة نقية عفيفة لا دعوة قبلها ولا بعدها بطهارتها ونقاوتها وعفتها

وشمول حلولها

وأنوار دروبها

وطمسها لظلمات غيرها

ولسعادة من يعتنقها

ولخسران من يباعد نفسه عنها

بالفكر
والمحبة، محبة الخير للناس
وأسلوب النقاش المقنع
والحجة والبرهان