الجمعة، 23 يناير 2015

بالخلافة وحدها تتحقّق معاني نُصرة النبي




الإساءة إلى نبيّ الله محمد صلوات ربي وسلامه عليه ليست وليدة اليوم
وليست مقتصرة على عرض فيلم هنا أو هناك يسيء إليه صلوات الله عليه
فقد سبق ذلك اعتداءات من مثل الرسوم الكاريكاتيرية الدنمركية والفرنسيّة وغيرها

فالقضية متكرّرة، متواصلة، تختلف فيها الوسائل والأدوات والأساليب
وكذا ردّ الفعل عليها عند المسلمين، فردّ فعل الحكومات لا يرقى بحال إلى مستوى ردّ فعل
الناس بالرغم من أنّ رد فعل الناس أيضاً ليس هو الحل الناجع المانع لتكرار تلك الإساءات
مع شديد الاحترام والتقدير لعواطف الناس المتأججة التي تأبى الدنيّة في دينها وتأبى أن يُشتم
نبيّها صلوات الله وسلامه عليه، وتكتفي الحكومات ببعض الإجراءات التي لا تحقّق عزّة
ولا تعكس كرامة ولا تلبي حكماً من أحكام الله تعالى في المسألة!!
إن من واجب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا أن نحبه ونجله ونبجله ونعظمه ونتبع
سنته في الظاهر والباطن،وأن نذب عنه كيد الكائدين ومكر الماكرين .

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، كتاب نفيس في هذه المسألة وهو
( الصارم المسلول على شاتم الرسول) ينبغي لكل مؤمن قراءته ، لاسيما في هذه الأزمان
التي تجرأ فيها كثير من المنافقين والملحدين على سب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما
رأوا تهاون المسلمين، وقلة غيرتهم على دينهم ونبيهم، وعدم تطبيق العقوبة
الشرعية التي تردع هؤلاء وأمثالهم عن ارتكاب هذا الكفر الصراح. نسأل الله تعالى
أن يعز أهل طاعته ، ويذل أهل معصيته .

ولنقرأ معاً كيف كان الحالُ مع إيذاء النبي وسبّه في قصّة
الصغيرين اللذين قتلا أبا جهل الذي كان يسب رسول الله:
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ (بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِمِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ)
رواه البخاري.


إن الخلافة وحدها هي التي تقطع ألسنة السوء، فيبقى حصن الإسلام منيعاً، يحرسه فرسانه،
فلا يجرؤ أن يدنو من بنيانه عدوٌّ، ناهيك عن أن يتسلق البنيان. إن قضية الخلافة هي الإسلام
وليست العروش والتيجان ...
إن الإساءة للإسلام هي إعلان حرب، تحرك الخلافةُ من أجلها الجيوش والصواريخ والقاذفات
لتنسي المسيء للإسلام  وساوس الشيطان، بل لن يجرؤ أحدٌ على الإساءة
للإسلام، خوفاً من الخلافة ورد فعلها، حتى دون الحاجة إلى تحريك الجيوش!
إن تاريخ الخلافة ينطق بذلك، وحراستها للإسلام والمسلمين شاهد حي، ليس فقط تجاه من
يسيء لقرآن الإسلام ونبي الإسلام، بل حتى تجاه ما هو أقل من ذلك، وقصة المرأة التي أساء
لها اليهود في سوقهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتالهم وإجلاؤهم ...،
وقصة المرأة التي أساء إليها الروم فقاد الخليفة بنفسه الجيش لتأديبهم ثم كان فتح عمورية ...
ثم أولئك الذين حاولوا الإساءة إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد الخلافة العباسية ...
عندما كان نور الدين زنكي والياً على الشام سنة 557هـ، فانطلق نور الدين بعلم الخليفة
العباسي إلى المدينة المنورة وألقى القبض على أولئك النصرانيين وقتلهما انتصاراً لرسول
الله صلى الله عليه وسلم حيث كانا يحفران خندقاً من منزل استأجراه قرب مسجد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليصلوا إلى قبره صلوات الله وسلامه عليه.
حتى إن الخلافة وهي في فترات ضعفها كانت تحرس الإسلام والمسلمين، وتدخل الرعب
في قلوب الكفار المستعمرين.
لقد ذكر برنارد شو في مذكراته سنة 1913م، أي في عهد ضعف الخلافة العثمانية،
ذكر أنه مُنِعَ من إصدار رواية فيها شيء يسير يمس بالرسول صلى الله عليه وسلم ،
فمنعه اللورد شمبرلين (Chamberlain) خوفاً من رد فعل سفير دولة الخلافة العثمانية في لندن!

أيها المسلمون
من كان يحب رسول الله  صلوات الله عليه فليعمل لإيجاد الخلافة.
ومن كانت مشاعره تثور تجاه من يسيء لرسول الله صلوات الله عليه فليعمل لإيجاد الخلافة.
ومن كان يغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليعمل لإيجاد الخلافة.
ومن كان يحب أن يشفي الله صدور قوم مؤمنين ممن أساء لرسول الله صلوات ربي عليه
فليعمل لإيجاد الخلافة.
ومن كان يحب رسول الله فليتبعه وليعمل على إيجاد الخليفة الذي يبايعه، فلا يموت ميتة
جاهلية(... ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)
ثم من كان يحب أن يحشر مع رسول الله فليعمل لإيجاد الخلافة.
هكذا أيها المسلمون، فالله سبحانه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فألف وعظ ووعظ، وألف
صرخةٍ وصرخة، وألف تصريحٍ وتصريح ... تجاه من يسيء لرسول الله صلوات الله عليه
لن تردعه قدر عشر معشار كلمة من خليفة مؤمن لجيشه بقطع دابر ذلك المسيء الذي يلعنه
الله ورسوله والمؤمنون
﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً﴾.
(الإمام ـ الخليفة ـ جنة يتقى به ويقاتل من ورائه(
فإن ما يمنع الإساءة للإسلام معلوم لا مجهول:
إنها الخلافة على منهاج النبوة، فهي التي تصون الأرض والعرض، وهي الفرض وأي فرض،
فلمثل هذا، أيها المسلمون، فليعمل العاملون.

يقول الله تعالى :
( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

الخميس، 22 يناير 2015

صناعة العميل




هذه القصة ذكرها الأستاذ «محمود شاكر» صاحب (موسوعة التاريخ الإسلامي)
في كتابه «المغالطات»، طبعة المكتب الإسلامي،
يقول الأستاذ محمود شاكر
عندما احتل البرتغاليون (عدن) عام 919 هـ رفض أهل هذا البلد الاحتلال، وقاوموه بما يملكون،ولكن استطاع البرتغاليون أن يقهروا السكان بما يحوزون من أسلحة نارية حديثة، واضطرالقسم الأكبر من العدنيين إلى ترك موطنهم واللجوء إلى الأراضي المجاورة؛ حيث عُرفوا هناك باسم «اللاجئون»، وأُجبر القسم الأكبر من العدنيين على الخنوع والبقاء في ديارهم تحت عصا الذل وسيف الإرهاب، وحرصت الدول المجاورة، كمصر التي يحكمها المماليك، أن تقاتل البرتغاليين ولكنها هُزمت...
-
نجحت البرتغال في أن تمد قنوات بينها وبين حكام الدول المجاورة عن طريق
 المال والمصالح والسلاح، وكان التعاون بينهم في سرية بعيداً عن أعين
 السكان؛ حيث كانت الشعوب ترفض هذا التعاون رفضاً تاماً، فأظهر
 الحكام أنهم يعادون البرتغال وهم يلتقونهم سرًا ويجتمعون معهم،
البرتغاليون أنفسهم - من باب المغالطة - يهاجمون هذه الدول علناً؛
حتى يلبسوا على الناس أمرها،
لم يجرؤ أحد على الدعوة إلى الرضا بالأمر الواقع أو الدعوة إلى السلام،

-
كان المخطط الصليبي يقضي بأن يتقدم كل حاكم خطوة، ولكن طالت
 المدة وزادت على خمسة عشر عاما...ً

-
فهنا برزت فكرة جديدة؛ وهي أن يتولى حل المشكلة أحد أبناء
عدن، ولا سيما من الذين يعيشون خارج مدينة عدن؛ ليكون بعيداً
عن البرتغاليين، ولتكون له الحريـة، فـوقـع الاختيار على
 شـاب لم يتجـاوز الثلاثـيـن من عـمـره يُدعـى
 «عبد الرؤوف أفندي»، فعرض عليه أحد السلاطين العملاء
 أن يختار معه شباباً يثق بهم؛ ليقوموا بتأسيس منظمة تعمل
على طرد البرتغاليين المغتصبين، وتقوم السلطات بدعم
هذه المنظمة ومدّها بما تحتاج إليه، وتعهد السلاطين بحمايتها ومد يد
العون لها، ودعوة أعوانهم للانضمام إليها؛ (فتبني أهل البلد
مهمة العمل أفضل، وخاصة أمام المحافل الدولية)،
ومُنح «عبد الرؤوف» وعد بأنه سيكون
له شأن كبير وإمكانات مادية عالية، هذا بجانب السلطة
 العسكرية وإصدار الأوامر،
وافق «عبد الرؤوف»، وحَلَّتْ منظمته محل حركة مفتي عدن،
واشترطوا عليه ألا يخرج عن رأي السلاطين.. وهكذا كان.

 
بدأ «عبد الرؤوف» اللعبة وأصبح اسمه «ياسين»، وادعى
النسب الحسيني، وأسس منظمته، وأنشأ فصائل للقتال، وانخرط في
 صفوفها كثير من العدنيين المشردين، وبدأت تخوض المعارك،
وتدخل إلى الأرض المحتلة وتقوم ببعض العمليات الناجحة،
 فارتفعت أسهمه، وأصبح في مصاف القادة ورواد الأمل في العودة
 لدى المشردين...

 
نادى «ياسين» بحمل السلاح بوصفه الحل الوحيد لإنهاء المشكلة،
واللغة الوحيدة التي يفهمها العدو، وصار لا يقبل المهادنة
 ولا المساومة، وبالمقابل شن عليه الأعداء حملة شعواء
واتهموه ومنظمته بالتخريب و...، وتدفقت عليه أموال التبرعات
 والمعونات، وأصبح على مستوى السلاطين

-
شن البرتغاليون غارات على مخيمات اللاجئين، وقاموا بعدد من
 المذابح الرهيبة؛ وذلك لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع...

 
ضغطت الدول الأوروبية على السلاطين لإنهاء المشكلة، فعقدوا
 اجتماعاً وقرروا الاعتراف بالوضع البرتغالي في عدن؛
على أن يتولى إعلان ذلك الزعيم العدني (ياسين)

 
وانتفض العدنيون المقيمون في موطنهم؛ مما دعا الأوروبيين
 إلى عقد مؤتمر عالمي لإحلال السلام في المنطقة وإنهاء المشكلة،.

 
أنيطت القضية بالزعيم «ياسين» الذي أعلن أنه مستعد لحضور
 المؤتمر العالمي، وأنه يتحدى البرتغال أن تحضر!
- وهي التي تتمناه -، فتمنعت تمنع الراغب لإتمام اللعبة
وإخفائها عن الشعب، وتقوية موقف «ياسين» وإبرازه على أنه
هو الذي يدعو وهي التي ترفض؛ أي أن الممتنع هو الموافق،
والراضي هو الرافض!!

 
أعلن أحد السلاطين أنه تخلى عن عدن، وأن أهلها أحرار يحلون
 أمورهم بأنفسهم! وهو الذي كان يعدُّ عدن جزءاً من أرضه،
فأصبحت عدن وحدها أمام البرتغاليين..

-
أعلن «ياسين» أن لأهل عدن حكومة خاصة، وأنه على استعداد
 للاعتراف بالكيان البرتغالي،وبذلك أصبحت هناك حكومتان؛
 إحداهما لأهل عدن المشردين، والأخرى للبرتغاليين ولهم الجزء
الأكبر من عدن!!

 
استمر هذا الوضع حتى جاء العثمانيون عام 945 هـ وطردوا
البرتغاليين من المنطقة..
- وقف أهل عدن يفكرون بالدور الذي مارسه «ياسين» عليهم؛ منهم
من قال: بقي «ياسين» يغالط علينا حتى وصل بنا إلى ما كنا نخشاه،
 ووافق على كل هذه الحلول التي كنا نرفضها، أعطيناه القيادة ليبيع
 قضيتنا، ليبيع أرضنا، ليبيعنا. بعدها بدؤوا يبحثون عن أصله
 ولكن.. فات الأوان!!
أما أعوانه فيقولون: إن الطرق كلها مسدودة، والحلول التي
 طُرحت قد أجهضت أو أخفقت، وليس أمامنا سوى ما تم..

ما أشبه الليلة بالبارحة!!