الأربعاء، 25 يوليو 2012

سوريا والأسلحة الكيميائية...حجّة أم حقيقة؟



تتصاعد وتيرة التصريحات الأمريكية والغربية بخصوص
الأسلحة الكيمائية السورية، ومن الواضح أنّ سياسة تهويل
المسألة تطغى إعلامياً وسياسياً في هذه الأيام حتى أضحت
قضية تلك الأسلحة "الفتاكة" -كما يزعم الغرب الآن- حديث
الساعة!!
هناك تصريحات عديدة مفادها أنّ السلاح الكيميائي والجرثومي
موجود في سوريا منذ بداية عقد السبعينيات، وقد تردد أنّ النظام
السوري استخدم السلاح الكيميائي في ضربه لحماة في المجزرة
التي فاق عدد القتلى فيها العشرين ألفاً، وحسب بعض الروايات
زاد العدد عن الثلاثين ألفاً!!

إذن، فقضية وجود تلك الأسلحة قضية قديمة زمنياً، ولا شكّ عندي
بأنّ أمريكا على علم تامٍ بها، فالنظام السوري ربيبها وعميلها وطوع
أمرها، فلماذا هذا التهويل الذي نسمعه اليوم بخصوصها؟
الخطاب السوري منحصر تماماً اليوم بالخطاب العسكري الوحشي
والتدميري، وقد فقد تماماً إمكانية التعاطي السياسي مع الشعب السوري
وعَلِمَ النظام أنه في طريق السقوط المدوّي، وأنه سيصل إلى محطّة
زمنية يتبرأ فيها منه سادته الأمريكان ويتخلى عنه المحيط الإقليمي
الذي يدعمه الآن سراً وعلانيةً. زد على ذلك القدرات والطاقات
المتزايدة التي تظهر على أداء الجيش السوري الحر والعمليات
الجراحية الدقيقة التي قام بها وآخرها تدمير مقرّ خلية الأزمة
وقتل العديد من مفاصل وركائز النظام السوري وفي قلب العاصمة
دمشق.
وفي خضمّ هذه المعطيات وغيرها بدا واضحاً للنظام أنه في الساعات
الأخيرة لحكمه، فيلزمه أن لا يدّخر شيئاً من وسعه ومن قوّته إلا ويستغلها
أو يلوّح بها، فلو افترضنا أنه قام بخطوة إظهار امتلاكه لهذه الأسلحة
الفتاكة من تلقاء نفسه بدون إيعاز من الأمريكان فما هي التبعات
السياسية والعسكرية  لهذه الخطوة؟
معنى أن يُقدم بشار على هذه الخطوة الجريئة من تلقاء نفسه نتيجة قناعته أن
ساعة رحيله قد حانت يعني أنّ السلاح الكيميائي والجرثومي السوري
أضحى – من وجهة نظر غربية وأمريكية – عامل تهديد لهم ولمصالحهم
ومصالح حلفائهم في المنطقة وخصوصاً بني يهود، ويعني كذلك أنّ هذا
السلاح أصبح يشكّل بالنسبة لبشار الملاذ والخيار الأخير،
وهنا يبرزُ سؤالٌ آخر: هل اعتبار بشار لهذا السلاح خياراً أخيراً
يعني أنّه يتأمّل الخروج من أزمته القاتلة هذه باستخدام هذا السلاح فينجو
مما هو فيه ويستعيد سلطانه؟ أم أنه سيستخدمه من باب: بيدي لا بيد عمرو؟
أمّا أن يظنّ أنه باستخدامه لهذا السلاح سينجو وسيستعيد سلطانه فهذه
هرطقة.
وأمّا أن يستخدمه ليدمّر الأخضر واليابس بعد أن عجز عن فعل شيء وبعد
أن أيقن أن العالم سيتخلى عنه فهذا احتمال وارد ولو بنسبة في غاية الضآلة.
لماذا؟
لأنه في ظنّي أن هذا السلاح لا يُمكن أن تتركه أمريكا عند
صنيعتها – النظام السوري-  دون أن تكون قد وضعت قيوداً وضوابط تحول
دون أن ينفرد النظام بحرية التصرّف به دون إذنها وعلمها، ودون أن يكون
في منشآت عسكرية تخضع لرقابة أمريكية مباشرة أو غير مباشرة
أما أن تصبح عند النظام القدرة على التصرف بهذا السلاح رغماً
عن تلك الرقابة فهذا لا يصحّ أن يوضع في خانة المستحيل لأنه واردٌ
أن يكون النظام قد رتّب أمراً يستطيع من خلاله أن يعطي نفسه شيئاً
من السيطرة على السلاح.
وقد يكون هذا الوضع هو سبب سخونة التصريحات الغربية المتعلقة بخطورة
امتلاك النظام السوري لهذا السلاح والتلميح للتدخّل العسكري كي لا يخرج
السلاح عن السيطرة أو يقع – كما يزعمون – بأيدي جماعات إرهابية!!

غير أنه لا يُمكن استبعاد أن النظام السوريّ وبترتيب أمريكيّ أظهر هذه
القوّة التي يمتلكها تلويحاً في وجه الدول الأوروبية  التي تعمل مع حلفائها
وعملائها على الحشد العسكري لضرب النظام السوري، وبأنّه قادر من
خلال استخدام تلك الأسلحة على ضرب دول إقليمية وجرّ المنطقة كلّها إلى
حرب لا يمكن التكهّن بعواقبها!! بأن يضرب بها "إسرائيل" أو بلدان الخليج
أو غيرها....فيكون هذا هو الاحتمال الثاني الذي يدخل في باب الممكن.
مع أنّ هذا الاحتمال قد يدحضه قول القائلين أنّه سبب وجيه للدول الأوروبية
ولكيان بني يهود لضرب سوريا عسكريا استباقاً لاستخدام النظام السوري
لهذه الأسلحة الفتاكة!!

وما أراه:
أن النظام السوري قد وصل إلى آخر محطّات وجوده
وأن عناصر قوّة بشار العسكرية قد انتهت أو كادت، وأن الأمريكان لم
يصلوا بعدُ إلى نتيجة فيما يتعلق بمن يخلف بشار الأسد، لم يفلحوا بعد
بصنع العميل البديل، ويرون في ذات الوقت ضربات المقاتلين وثورة الشعب
السوري العظيم والذي يرفع من الشعارات ما يهزّ الأمريكان والغرب كلّهم
وطالما أن الوضع هذا بقي على حاله دون أن تصل أمريكا إلى مبتغاها، وقربُ وصول
الشعب السوريّ إلى مبتغاه فلا بدّ للأمريكان أن يحاولوا إنقاذ الوضع
لصالحهم فيتدخلوا عسكرياً بحجة وقف مجازر الأسد ومنعه من استخدام أسلحة دمار
ثبت امتلاكه لها.
ووفقا لمؤسسة “مابلكروفت” الاستشارية لتقييم المخاطر فان الولايات المتحدة
و18 دولة أخرى شاركت في تدريبات “الأسد المتأهب” العسكرية في مايو/أيار
في الأردن “التي تضمنت تركيزاً قوياً على تأمين الأسلحة الكيميائية والبيولوجية” .

لكن...
يبدو أن القضيّة السورية قد استعصت على أمريكا والغرب، وعجزوا عن أن يصنعوا
عملاء لسوريا كما صنعوهم لغيرها.
أوروبا، أمريكا، روسيا، تركيا وإيران  وباقي دول المنطقة:
دولٌ اختلفت نظرتهم للقضية السورية، كلّ منها ينظر اليها بما يتوافق مع مصالحه ...
.لكنّهم جميعا اجتمعوا في نقطتين حتى الآن:
* إجرامهم وتآمرهم على سوريا وشعبها.
* فشلهم في تطويع الشعب وكسر إرادته وتحطيم معنوياته وصنع قيادة
عميلة بديلة لبشار!!

فالشام عقر دار الخلافة، ونعم الجند جندها، بشارة ربّانية على لسان
نبيّ يوحى إليه، وهي متحقّقة لا بالتمني والتشهّي، بل بوعد رباني
ونصرٍ يُكرمُ به عباده الذين جعلوا هجرتهم له فقالوا: هي لله هي لله
وأمّة قائدها محمد لن تركع إلا لله.