الخميس، 16 مايو 2013

تهديد ( إسرائيل ) لسوريا إذا ما استمرت بتسليح حزب الله...




تهديدات ( إسرائيل ) بضرب سوريا إذا استمر النظام بتسليح حزب الله
 ليس لها - الآن - مغزى عسكري
 بل المقصود منها زيادة الضغط المعنوي على السوريين
 ومحاولة التأثير على الثوار تمهيداً للمشروع السياسي الأمريكي
 وهي - التهديدات - تشبه إلى حدّ كبير من حيث (الرسائل التي
 تحتويها) تلك المناورات العسكرية في البحر المتوسط التي
 أعلنت عنها أمريكا بمشاركة ما يزيد عن أربعين دولة.
 وهي أقرب ما تكون إلى ما اصطلح عليه بــ ( دبلوماسية البوارج)

 الدول الإقليمية والدولية، الأمريكية وحلفائها ومَن لها سيطرة عليهم،
 يسيرون في مشروع سياسي فيما يتعلق بالشام، ولن تخرج (إسرائيل) عن ذاك التوجه طالما انضبطت بالإرادة الأمريكية.

 وهذا لا يعني بالمطلق أن لا تحصل ضربات عسكرية محدودة في لسوريا
 عن طريق بني يهود أو غيرهم....لكنها لن تكون إلا لخدمة المشروع السياسي أو ضرب الثوار ومحاولة الحدّ من تقدّمهم أو محاولة تعطيل حسم القتال لصالحهم...كما حصل قبل أيام من ضربة لبني يهود
 كانت - حسب قناعتي - منعاً للثوار من وضع أيديهم على مخزون هائل
 من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية (ليست كيميائية).

الاثنين، 13 مايو 2013

القوة الناعمة



من المعلوم أنّ الاجتماع البشري لا بد أن ينشأ عنه اختلاف في الأهواء والرغبات، وتعارض في المصالح، والنفوس البشرية فيها حب الأثرة، وحب الرياسة، وحب العلو في الأرض، وهذا من طبع الأفراد كما الدول،  ومن سنن الله في كونه أن يوجد فيه الشيء وضده، فيوجد الغني والفقير، والصحيح والمريض, والضعيف والقوي, والعالم والجاهل, وغير ذلك من الأضداد التي تقتضيها سنة التدافع البشري، ولا بد أن تُنتِجَ هذه المتضاداتُ اختلافاً في الآراء والمقاصد والغايات، وتتعدد وجهات النظر وتتصارع الأفكار، كل فريق يبحث عن مصلحته قبل الفريق الآخر، وهذا مشاهدٌ محسوس.

ومن تأمل تاريخ الإسلام وجد فيه صورا من التدافع؛ ففي مكة كان الإسلام ضعيفا، وأتباعه قليل، ثم بالهجرة النبوية وغزوة بدر عز الإسلام وقوي، وبفتح مكة بدأت مرحلة مدافعة الكفر وأهله خارج جزيرة العرب، إلى أن توج ذلك بالقضاء على فارس والروم؛ لتكون السيادة للمسلمين، وانتشر الإسلام في الأرض، ثم سلط الصليبيون والتتر على المسلمين فاستباحوهم، وانتزعوا كثيرا من بلدانهم، فحفز ذلك المسلمين على مدافعتهم وردهم فكان لهم ذلك، ثم سقطت ممالك الأندلس في أيدي الصليبيين، وانحسر مد الإسلام؛ ليقوى مرة أخرى في دولة بني عثمان، التي سقطت بعد ذلك، فاقتسم المستعمرون بلاد المسلمين يحكمونها، فقاومهم المسلمون ودافعوهم، وبذلوا تضحيات جسيمة حتى اقتنع المستعمرون أنه لا بقاء لهم في بلاد المسلمين، فزرعوا عملاءهم بدلا عنهم وعَوْناً لهم، فكانوا أخلص للغرب من رعاياهم، وكانوا أشد على الإسلام وأهله من النصارى، وكانوا أشرس في محو الإسلام واجتثاثه، حتى إذا أمِنوا وأمِنَ الغربُ من ورائهم أن شعائر الإسلام تمحى شعيرة شعيرة، وأن عراه تنقض عروة عروة، وأن بلدانه تنتقص بلدا بلدا، وتقسم دولهم وتفتت، وتعطى للأقليات غير المسلمة؛ انتفضت الشعوب المقهورة على دينها ودنياها؛ لتقوض عروش المستبدين والعملاء، وهذا من أظهر صور المدافعة؛ فالشعوب هي الشعوب، والحكومات هي الحكومات، والقبضة الأمنية هي القبضة الأمنية، ما الذي حدث؟ ما الذي تغير؟ لا شيء إلا أمراً ربانيا لم يتصوره أحدٌ قلَبَ الأمورَ رأساً على عقب. وبه بدأت حقبة جديدة من سنة التدافع ستغير مجريات الواقع.

والقوى الغربية المستكبرة أمام خيارين أحلاهما مرٌّ، فإما الرضا بعودة الإسلام من جديد، وهو ما لا يريدونه؛ لأنه سيقوض سيادتهم، ويقضي على ظلمهم وجبروتهم، وإما السعي لنشر الفوضى في بلاد المسلمين، فتتعطل مصالح الغرب فيها، ويتقهقر اقتصاده، وتفرز بؤر التوتر والفوضى كفاءات مدربة تغزو الغرب في عقر داره، وتبث الرعب فيها، ولن تكون الفوضى الخلاقةُ خلاقةً للغرب بل ستكون عليه، وإذا أحسن المسلمون توظيف الأحداث لصالحهم، وفقهوا سنة التدافع التي تجري في أرضهم، فاجتمعت كلمتهم، وتراصت صفوفهم، ولم يجعلوا الشيطان ينزغ بينهم فلن يقدر الأعداء على شيء من أمرهم... (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103] (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46].

ونلحظ مما سبق أنّ القوّة، سواء قوّة الحق أو قوّة الباطل، حاضرةً في كلّ الأحوال، سواء كانت قوّة الفكر والمبدأ أو قوّة السلاح والعتاد، ولأن القوّة المستخدمة في كلّ حالة قد تختلف عن الأخرى فإنه يلزم أن نبدأ بفهم معنى القوّة، ذلك أنّ (القوّة) مفهوم يكثر استخدامه والحديث عنه ويقلّ فهمه.
وقد عُرّفت القوّة بأنها: عبارة عن القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للقيام بعملٍ ما يتفق مع ما نريده.
وقد تكون قوّة فكرية نابعة عن مفاهيم معينة، وقد تكون قوّة عسكرية...
أمّا القوّة العسكرية فمفهوم المراد منها، ومعلوم أنها أبرز أشكال القوّة المستخدمة –عموماً- بين الدول أو مِن قبل دولة تجاه مجموعة بشرية سواء أكانت كياناً أو أفراداً...وسميّت هذه بالقوّة الخشنة.
وهذه القوّة الخشنة لا تمكّن الدول بالضرورة من البقاء في مركز القوّة والسيطرة والهيمنة، فمن المعلوم مثلاً أن الولايات المتحدة تخسر من نفوذها في الشرق الأوسط وتنحدر هيمنتها، وهذا يسير بوضوح أن: امتلاك مصادر القوّة العسكرية وحدها لا يعني بالضرورة أن بامكان الدولة تحقيق ما تريده من نتائج في سياساتها، فأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية تشكل أكثر من ثلث الناتج الدولي وكانت كفتها هي الراجحة بشكل كبير فيما يتعلق بالأسلحة النووية والعديد اعتبر ذلك هيمنة عالمية. لكن بالرغم من ذلك لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من منع " خسارة  الصين"  أومن " دحر " الشيوعية في شرق أوروبا أو من منع الطريق المسدود التي وصلت إليه الحرب الكورية أو هزيمة جبهة التحرير الوطنية في فيتنام أو الإطاحة بنظام كاسترو في كوبا.
يقول جوزيف س. ناي نائب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق:
تظهر الدراسات انه حتى في فترة الهيمنة الأمريكية المزعومة فإن فقط خمس المجهودات الأمريكية من اجل إحداث التغيير في بلدان أخرى من خلال التهديدات العسكرية قد حالفها النجاح، بينما نجحت العقوبات الاقتصادية في نصف الحالات فقط. لكن العديد يعتقدون أن رجحان كفة أمريكا حاليا في مصادر القوة يعني الهيمنة وان تلك الهيمنة سوف تنحدر كما كان الحال مع بريطانيا قبلها.
وما نحن بصدده الآن هو النوع الآخر من معاني القوّة: وهي القوّة التي يطلق عليها: القوّة الناعمة.
وهذا النوع من القوّة قديم من حيث استخدامه، فهو ليس حديث عهد ولا وليد هذه الحقبة من التاريخ، بل إنّ وجوده ترافقَ مع وجود الفكر والفكر المضاد وحصول التنازع والتصادم بينهما، وإن لم تُطلق عليه هذه التسمية بعينها....
أول مَن وضع مصطلح القوّة الناعمة هو (جوزيف س . ناي) وهو كاتب وأكاديمي، أستاذ بجامعة هارفارد ومستشار سابق لوزير الدفاع الأمريكي في عهد كلينتون.
وعرّفها بأنها: "القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الإقناع وليس الإكراه".

وهو تماماً ما عبّر عنه  دونالد رامسفيلد في الواشنطن بوست في مارس 2006م حيث قال:
( نخوض حرب أفكار، مثلما نخوض حرباً عسكرية، ونؤمن إيماناً قوياً بأن أفكارنا لا مثيل لها.) وأردف قائلاً: (إن تلك الحرب تستهدف تغيير المدارك، وإن من المحتم الفوز فيها وعدم الاعتماد على القوة العسكرية وحدها ).
وقال: (نريد لشعوب الشرق الأوسط أن يكون إسلامها كإسلام الشعوب المسلمة في شرق أوروبا) يقصد مسلمي البوسنة وألبانيا، الذين ذاب غالبيتهم ـ إلا من رحم الله ـ في قاع الحياة الأوروبية المادية، حتى صار الدين بالنسبة لأكثرهم مجرد انتماء تاريخي، لولا المحنة التي تعرضوا لها على يد النصارى الصرب فأيقظت فيهم الحنين للدين بعد أن أُبعدوا عنه.

أما توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، فكانت له  كلمات ذات مغزى خلال مؤتمر صحفي عقده في 17 /4 /2007م، قال فيه: (إن الوقت قد حان لتتوحد إدارات الحكومة البريطانية، من أجل تحقيق النصر في حرب الأفكار) وأضاف: (إذا كنتم تريدون أن تنقلوا الحرب إلى أرض الأعداء، فعليكم أن تهزموا أفكارهم ودعايتهم إلى جانب هزيمة مخططاتهم).
إذن، فإنّ العقول واقعةٌ تحت القصف الفكري
فهي حرب فكرية هدفها زعزعة الثوابت العقدية وخلخلة المفاهيم.
وقد استنزف – ولا يزال - هذا النوعُ من الصراع والحروب  قدرات وطاقات هائلة
سواء الهجومية منها أو الدفاعية.

أما أدوات الحرب الناعمة:
فتتمثل في القيم السياسية والثقافية والقدرات الإعلامية والتبادل العلمي والفكري والسياسة الخارجية القادرة على مد الجسور وإقامة الروابط والتحالفات.
على خلاف القوة الصلبة التي تقوم على الإجبار والقسر والتي تكون الآلة العسكرية هي أداتها، بالإضافة لفرض العقوبات السياسية والاقتصادية.
ومن الأمثلة على دَوْر الإعلام وتأثيراته على العقول
ما ذكر "جوزيف ناي" مؤلف كتاب "القوة الناعمة" بخصوص ألمانيا الشرقية:
( أن جدار برلين كان قد تم اختراقه بالتلفاز والأفلام السينمائية، قبل زمن طويل من سقوطه في عام 1989م؛ لأن مطارق الثقافة اخترقته قبل أن يسقط!
ثمّ أردف قائلاً:
 وهذه حقيقة واقعية، يشهد لها أنني شخصيًّا قد قُدرَ لي أن أكون حاضرًا في إحدى المحاضرات خارج بلدي، وكان المحاضِر يتحدث عن التأثير الفكري للقيم والأخلاق، ومما قاله: "إننا الآن نُركز على السعودية لاختراق مجالها الفكري، ولم يَعد الأمر صعبًا؛ لأن التقنية تخدمنا في ذلك، ويمكننا أن نصل لعقول الشباب هناك بسهولة"!)
وتخبرنا ذاكرةُ التاريخ أنّ نابليون بونابرت في حملته الفرنسية على مصر عام 1798 م.
جلب معه مطبعة ضخمة إذ أنه عمل على تركيز الجانب الفكري والثقافي الفرنسي لنشره
بشكل موازٍ للإحتلال العسكري، ولا ننسى ما حصل في شهر آذار ونيسان من هذا العام 2013 م.   من خرق ايراني لبلاد المسلمين حين اتفقوا مع حاكم مصر على افتتاح دار طباعة ونشر ضخمة أيضاً لينشروا من خلالها الفكر الرافضي بين المسلمين.
وبالرجوع إلى تعريفه للقوّة الناعمة:
نجد أنه يركّز على نقطة هامّة وهي (الإقناع)
أي أنه يستخدم التواصل الفكري لإيصال ما يريد، ومن المعلوم أنّ مَن يريد إيصال فكرة معينة لغيره فلا بدّ أن تكون هناك آلية للتواصل بين الطرفين
لذا كانت الآلة الإعلامية هي أكثر المحاور أهمية في هذه الحرب، وقد ركّزت عليها أمريكا تركيزاً واضحاً وقوياً، بحيث عملت على ضخّ ثقافتها إلى شعوب العالم لتوصل ما تريد لهم أن يتصوّروه عنها خاصة للشعوب التي لا تواصل مباشر بينها وبين الولايات المتحدة كما حصل مع الاتحاد السوفييتي على سبيل المثال، وكذلك الشعوب التي تخضع لدكتاتورية أنظمة الحكم فيها، إذ عمدت أمريكا على ضخّ كلّ ما من شأنه أن يوتّر العلاقة بين الشعوب وأنظمتها حين يرون ما تظهره لهم أمريكا من حريات مزعومة ونمط عيش الأمريكان الذي يظهروه للعالم كأنه النمط الأمثل بما فيه من حريات مستفيضة.
فكانت وسائل الإعلام من إذاعات وفضائيات، وما تبثه في هذه الفضائيات من أفلام هوليوود
هي كما ذكرت المحور الأساس والأهم في هذه الحرب والتي نستطيع أن نطلق عليها مصطلح (الحرب الفكرية) بدل الحرب الناعمة.

ومن أدواتها أيضاً:
تسهيل الهجرة إلى بلادهم، فالولايات المتحدة تعتبر من أكثر دول العالم جذباً للهجرة، وأكبر مقصدٍ للطلاب الدارسين خارج بلادهم، إذ تجتذب حوالي 28% منهم مقابل 14% لبريطانيا التي تليها في القائمة..
يقول جوزيف ناي:
وقد أثبتت برامج التبادل الطلابي مع الاتحاد السوفييتي أنها كانت عاملاً حاسماً من عوامل تقويض الإمبراطورية  السوفييتية لا يقل عن دور القوة الصلبة والصراع العسكري والاقتصادي، وقد شكّل الطلاب العائدون من البعثات الدراسية في أمريكا احتياطاً مهماً (تبنى) الدعوة إلى قضايا الحريات وحقوق الإنسان. انتهى قوله.
ومن المعلوم أن قضايا الحريات وحقوق الإنسان وحقوق المرأة هي من نقاط الارتكاز في بثّ الثقافة الغربية عند الشعوب التي هي محلّ عمل بالنسبة لأمريكا ومن خلالها تضخ مفاهيمها وأفكارها مدعومة بضخ الأموال لجمعيات تتبناها أمريكا وتديرها من وراء الكواليس وهي تلك الجمعيات المسماة (المنظمات أو المؤسسات غير الحكومية) التي تعمل تحت ستار  العمل الخيري سواء الطبي أو الغذائي أو الثقافي..
و في حين أنّ القوّة العسكرية تستخدم في العلاقات الدولية سبيلاً للردع والتطويع والقهر، فإن الهدف من استخدام القوّة الناعمة هو: محاولة جعل هذه الدول أكثر جاذبية وأكثر قبولاً بالنسبة للآخرين، وهو ما عبّر عنه بعض الكتاب: أن تسود الدولة بالجاذبية!!
بمعنى أنّ المسألة محصورة في مخاطبة العقول ومحاولة تزييف واقع الدولة بحيث يكون ظاهر سياساتها مقبولاً عن الناس يُبلون عليه ولا يرفضونه، فهؤلاء المبتعثون إلى أمريكا على سبيل المثال يوضعون في برامج ثقافية أمريكية تكون حصيلتها أن ينبهر الشباب صغار السن بما يطلعونهم عليه من أمور تبهر عقولهم وتأخذ ألبابهم بحث يرون في نمط العيش الأمريكي مثالاً يحتذى، فيتبنونه ويسعون جاهدين لنشره في بلادهم حين يعودون إليها، وباستمرار الرعاية لهم والتواصل معهم حتى بعد رجوعهم إلى بلادهم.
لذلك:
 تعتبر البعثات الأكاديمية التي تستقبلها الدول الغربية من أكبر مصادر القوة الناعمة كما يقول جوزيف ناي، فكثيرا ما يكون المبتعثون المتأثرون بالقيم الأمريكية حصان طروادة للأمريكان في دول العالم المختلفة، يقول وزير الخارجية السابق كولن باول: "لا أستطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا".
 ذلك أن الطلبة الدوليين يعودون إلى أوطانهم في العادة بتقدير أكبر للقيم والمؤسسات الأمريكية، وكما هو وارد في تقرير لمجموعة تعليمية دولية فإن: ملايين الناس الذين درسوا في الولايات المتحدة على مدى سنوات يشكلون خزانا رائعا للنوايا الحسنة تجاه بلدنا". وكثير من هؤلاء الطلبة السابقين كما يقول جوزيف ناي ينتهي بهم الأمر إلى احتلال مراكز يستطيعون من خلالها التأثير على نتائج السياسة التي هي مهمة للأمريكيين.
 يقول الكسندر ياكوفليف عضو المكتب السياسي وصديق للزعيم السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف: "كانت التبادلات حصان طروادة الذي دخل الاتحاد السوفيتي. فقد لعبت دورا هائلاً في تآكل النظام السوفيتي... وظلت تصيب بعدواها عددا أكبر فأكبر من الناس على مدى سنوات". فجاذبية القوة الناعمة التي نمت من الاتصالات الثقافية بين أفراد النخبة في البلدين قدمت إسهاما مهما في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية.

وهذا ما تطرق إلى جانب منه حزب التحرير في كتاب "التكتل الحزبي"
فقد جاء في سياق حديثه عن انحدار الدولة الإسلامية في أواخر عهدها:
(وهذا ما كان عليه غالبية المسلمين. إلا انه في هذا العصر بالذات، بل منذ فشل الغزو الصليبي، بات الغرب يفكر في أساليب أخرى لمحاربة المسلمين، بل لمحاربة الإسلام. فلجأ إلى الغزو الثقافي، خصوصاً وأن الدولة العثمانية كان همّها القوة العسكرية، ولم تتنبّه لأثر الناحية الفكرية في حياة الناس والمجتمع، إما جهالةً وإما لانشغالها طيلة القرن السابق بحرب مستمرة مع العالم بكامله في حينه. إلا أن ذلك لا يغير من الواقع شيئاً، والنتيجة واحدة في الحالتين. فقد بات العالم الإسلامي يتردى في أودية الانحطاط، حتى وصل إلى ما وصل إليه من جهالة. ومثل هذا الواقع سهّل عملية الغزو الثقافي المغلّفة بالمساعدات الطبية تارة، وتارة بالإرساليات التبشيرية، وأخرى بالمساعدات الثقافية كإدخال آلات الطباعة وغير ذلك، حاملة معها سموم الدعوة القومية، والدعوة إلى الاستقلال، والانفصال وغير ذلك. هذا في الداخل. وأما في الخارج، فقد فتحت أوروبا أبواب جامعاتها لأبناء المسلمين بحجة العلم.)
وقال في كتاب (مفاهيم حزب التحرير) :
( ثم الغزو الثقافي الذي قام به الغرب، بعد فشله في الحروب الصليبية وإدراكه أن المسلمين لا يؤخذوا بالقوة، فما أن بدأت ثورته الفكرية والصناعية، ورأى عيون المسلمين وقد بهرتها أضواء النهضة الاروبية حتى بدأ بخطط الغزو الفكري والثقافي، فاختفى وراء شعارات زائفة مثل الإرساليات التبشيرية، والبعثات التعليمية،والمساعدات الطبية، وبدأ يبث سمومه في
جسم الدولة وأذهان المسلمين، فحمل للمسلمين حضارة غير حضارتهم وثقافة غير ثقافتهم، ومفاهيم غير مفاهيمهم)

القوّة الناعمة والسياسات الخارجية:
 إن السياسات الحكومية لبلد ما تعزز قوته الناعمة أو تبددها. ذلك أن السياسات المحلية والخارجية التي تبدو منافقة، أو متغطرسة أو غير مبالية برأي الآخرين، أو قائمة على معالجة ضيقة الأفق للمصالح الوطنية قد تقوض القوة الناعمة. لهذا فقد خسرت الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من التأيد العالمي وفقدت جزء لايستهان به من قوتها الناعمة بعد حربها على العراق. كما أن قوتها الناعمة في الدول العربية لاتقارن بالدول الأخرى بسبب سياساتها المزدوجة من القضية الفلسطينية، والدعم المطلق للكيان الصهيوني.
 كما أن الدول التي تزعم أنها تحارب الاستبداد، وتطلق التصريحات المناوئة للإستبداد السياسي تكسب نوعا من القوة الناعمة، وهذا ينطبق على تلك التي تدعم الحركات المقاومة والتحرر الوطني.
وسائل قياس القوة الناعمة:
 ويمكن قياس حجم ومقدار القوة الناعمة وتأثيراتها لدولة معينة أو جهة ما من خلال استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الدراسات الموضوعية المنتشرة غالباً في معظم الدول الغربية، لهذا نجد أن هذه الاستطلاعات مُتابعة بشكل حثيث، وينفق عليها الكثير لأهميتها البالغة في (استمزاج ) الرأي العام في بلد ما وقياس درجة توتّر الشعوب تجاه سياسة من السياسات، كما يُبنى عليها في كثير من الأحيان رسمُ السياسة الخارجية عند بعض الدول
كما يحصل في أمريكا لناحية تعاطي الدولة مع مقترحات وتوصيات مؤسسات الفكر مثل "رند" وغيرها.
لذا يجب أن نلاحظ أمراً في غاية الأهميّة في هذه المسألة وهو:
إن أخطر أنواع الضعف هو الضعف العقدي والفكري، والذي سوف يُحرض جميع أشكال وأنواع الأفكار الأخرى المعادية لك، لاختراق نطاقك الفكري ومنظومتك الأمنية، لتفقد المنظومة تماسكها وجوهريتها، وجاذبيتها وقوتها.
وأنّ هذا الضعف كان هو المنفذ الأساس لمن يعملون ليل نهار على محاربة المسلمين في عقيدتهم، وقد خرجت من تحت عباءة هذا النوع من الحروب تيارات فكرية
جديدة شاعت بين المسلمين من مثل: العقلانية الإسلامية والإصلاحية التنويرية
والليبرالية والوسطية يحملون من الأفكار والمنهجيات الغريبة وغير المبنية شرع الله
جملة وتفصيلاً وإن حوَت شيئاً من الإطلاقات اللغوية والشرعية لتوهم سامعيها بعلاقة موهومة بين ما يطرحونه وبين شرع الله تعالى.
إنّ الكيانات التي تخضع لإملاءات الدول التي تستخدم هذا النوع من القوّة سواء بعناصره السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية الثقافية فإن السبب عندها يكمن في افتقارها إلى نقوّمات الدولة المبدئية، ذلك أنها إن امتلكت الفكر المبدئيّ فإنه من الصعوبة بمكان أن تحقّق الدول المحاربة لها عن طريق ذلك النوع من القوة أهدافها فيها، فكيف الحال إذا كانت تلك الدول صاحبة فكرٍ مبدئي عقدي صحيح قائم على أساس دين الله تعالى؟! فإنها تكون في تلك الحالة حصينة منيعة على كلّ تحريف أو إضعاف أو غزو.
لذا فإن البناء الفكري السليم ومتابعته بالعناية والمراجعة كلّ حين، وجعل العقيدة هي القاعدة لكل فكر ومفهوم، والعمل على بيانها للناس وترسيخها بأفضل وأسهل الأساليب المُفهمة من شأنه أن يميز الخبيث من الطيّب ويُذهب كيد أعداء الله حتى يأذن الله تعالى بقيام دولة الإسلام الراعي الحقيقيّ للإسلام والمسلمين والتي تكون قادرة على أن تكسب الحروب الخشن منها والناعم.....وما ذلك على الله بعزيز.





 23/4/2013م