الأربعاء، 27 مايو 2015

أهمية الوسط السياسي في كيان الأمة





عرّف حزبُ التحرير الوسَطَ السّياسيّ بأنه:
" وسطُ الرجال الذين يتتبّعون الأخبار السياسيّة والأعمال السياسيّة والأحداث
 السياسيّة ليُعطوا رأيهم فيها ويرعون شؤون الناس حسب هذه الآراء،
 أي هو وسط السياسيين سواء أكانوا حكاماً أم كانوا غيرَ حكام..."

وهذا التعريف لمصطلح "الوسط السياسيّ" مبنيّ على الوعي السليم على
مفهوم السياسة بأنها: الرعاية، ومعلوم أن مَن يسوسون الناس سواءٌ
أكانت سياسة عملية عن طريق الحكم أو سياسة فكرية من قبلَ مَن هم ليسوا
 في مراكز الحكم، إنما يسوسون بحسب أفكارهم التي يحملونها ويعتقدونها،
 فتنعكس تلك الآراء والأفكار على واقع تعاطيهم مع الأحداث والقضايا محليّة
 أو خارجيّة، وتكون تلك القناعات التي يحملونها هي " زاوية النظر "
 عندهم لكلّ أمر وقضيّة، فعلى هذا الأساس يتصرف الرأسماليون
 والاشتراكيون، كما كان يتصرّف على هذا الأساس أيضاً الحكام
والأوساط السياسية..
فكما أنّ دساتير الأنظمة وقوانينها في عالمنا اليوم تقوم على فكرة فصل
الدّين عن الحياة، فكذلك تكون زاوية النظر لمجمل القضايا وشؤون الناس
عند الحاكم وعند مَن يوصفون بأنهم وسطٌ سياسيّ.
وقد غلَبَ إطلاقُ وصف الوسط السياسيّ اليوم على جماعات وأحزاب
 " المعارضة " في الكيانات القائمة في الأغلب الأعم، وبحسب قوانين 
وأنظمة تلك الدول فإنّ أحزاب المعارضة، وبالتالي الوسطَ السياسيّ
تشملهم جميعاً مظلة " دستور الدولة " وقوانينها وتشريعاتها العامة،
فيمارسون سياساتهم وفقها مع هامش – قد يضيق وقد يتسع – حسبَ
الدولة ورؤيتها لموضوع الحريات، والمدى الذي تسمح فيه للأحزاب
 والجماعات بأن تطرح مشاريعها أو تنتقد السلطة القائمة أو تعارضها
 في زاوية هنا أو تشريع هناك، غير أنهم جميعاً ينتظمون وفق القانون
 العام لأنهم يحملون ذات المبدأ ويعتنقون ذات الفكرة وهي فصل الدين
 عن الحياة، سواءٌ صرّحوا بها بوضوح أو تركوها غامضةً في بعض
 جوانبها.
لكنهم لا يرضون بحال من الأحوال أن يُضرب هذا الأساس ولا أن يتزعزع
 سواء من قبَل الذين هم في دفة الحكم أو من قبل الوسط السياسيّ عموماً...
وهناك حقيقة شاخصة اليوم وهي أنّ الحالة السياسية في بلاد المسلمين وصلت
من الانحطاط ما لم تصله من قبل، سواء لناحية الأنظمة وعمالتهم للشرق
 والغرب، أو للوسط السياسيّ من جماعات وأحزاب ومفكرين – إلا مَن
رحم ربي – الذين باتوا مجرّد أبواق للأنظمة وصمامات أمان لها من السقوط،
 فبات عمل هذا الوسط السياسيّ مقتصراً على حماية الأنظمة، مهما تحركوا
 في هامش المعارضة لقوانين أو تشريعات، أو منابذة مسئول هنا أو هناك،
 أو حتى الرئيس في بعض البلاد، لكنهم لا يخرجون عن الإطار العام
 الذي ينضبط فيه إيقاعهم مع إيقاع النظام ورموزه في القضايا المفصلية للكيان.
قد يقول قائلُ أنّ روسيا، ومن قبلها الاتحاد السوفييتي كان على هذه الشاكلة،
 فلا معارضة فيه ولا أصوات تغرّد خرج سرب النظام !!
 وهذا صحيح، وحتى نفهم ذاك الواقع وجب أن نفهم المبدأ الذي قام على
 أساسه ذاك الكيان، ومن ثمّ نحكم بوجود الانسجام من عدمه عند من هم
في دفة الحكم وبين باقي الناس، فإن الفكر الذي ساد الاتحاد السوفييتي،
 وتسير – إلى حد ما – عليه روسيا اليوم هو: الفكر الجماعي وليس الفردي،
وفكر الاشتراكية، وهو فكر مانع لوجود معارضة أو وسط سياسيّ يتكلم بغير
 مفردات النظام القائم، وهذا ما أعنيه بالقول أنّ الفكر أو المبدأ والمفاهيم هي
 التي تحدّد سياسة النظام للمجتمع والدولة وتحدّد الآلية التي يتعاطى فيها
 مجموع الوسط السياسي بشقّيه مع الأحداث والقضايا.
وهذا على خلاف المجتمع الرأسمالي الذي يسمح بتلك المعارضة ليس لأنه
 يريد أن يسمح بها وفق رؤية الحاكم، بل لأن المبدأ يسمح بها وفق " ضوابط
الفكر العام للنظام " الذي يحدد كلّ ما يتعلق بالسياسة وانضباط الفرد والمجتمع
 والدولة بحسبه.
فإن استدعينا من التاريخ نشأة أحزاب  اليمين واليسار والوسط ، وجدنا أن
 مُحدّداتها كلّها آتية من " مكان جلوس " تلك الفئات بجانب الحاكم: على
 يمينه أو على يساره، واليمين الذي كان مؤيداً للحاكم وسياساته، واليسار
 الذي أيّد الحاكم في جلّ سياسته مع فارق المطالبة بشيء من الحريات
 أو الإصلاح هنا أو هناك، ثمّ حزب الوسط الذي جمع بين البينين فأخذ
من اليمين وأخذ من اليسار... كما في الموروث السياسي الفرنسي وبرلمانهم.
لكن الجامع لهم كلّهم: أن السقف العام للنظام يحتويهم.

الكارثة هي في الحالة السياسية في بلاد المسلمين، فكما قلت أنها قائمة
على نظام عميل، وعلى أوساط سياسية خائبة تابعة لا رأي لها ولا إرادة،
ومنسلخة – كما النظام – عن فكر الأمة وحضارتها، فلا هي قادرة على
 تطبيق نظام فصل الدين عن الحياة لأنه ليس نظامها ولا يصلح لها من
 الأساس، ولا هي متناغمة مع الأمة الإسلامية وقضاياها...
في الأوضاع الصحيّة لأي نظام، فإن الوسط السياسيّ الفاعل بالفكر والوعي
 قادرٌ على ضبط النظام والحاكم إن خالف وعي الناس ومفاهيمهم، وقادر
 على عزله إن أصرّ على أن يطبق على الناس ما لا يُصلح أمور دينهم
 ودنياهم، غير أن الحاصل هو على خلاف الأصل، لأن الذين عملوا على
هدم دولة الإسلام أدركوا أهمية الوسط السياسيّ في كيان المسلمين، فهدموه
وحرصوا على أن لا يعود، كما حرصوا على ملء ذلك الفراغ بوسط
سياسيّ مدجّن و " مُعدّل ورائياً " ليضمنوا انسجامه مع الحاكم على
حساب الناس ورعاية مصالحهم وشؤون دينهم ودنياهم، فكما يعمل الغرب
على تطويع الأنظمة فإنه يعمل كذلك على تطويع الوسط السياسيّ والمفكرين
 والكُتّاب وكلّ  صاحب رأي وحكمة ووعي، لأنهم يدركون أن مكمن الخطر
 هو: الوعي،  وأن الجهل الذي يرعونه ويرعون دُعاته هو الضامن لوجودهم
 والمعين لهم على سلب إرادة الناس وتزييف وعيهم وتكريس مفاهيم التبعية
 والانقياد للسيّد المطاع الذي يقف خلف السيّد " الدمية " وهو الحاكم ونظامه.

إن التحضير والبناء لــ  " وسط سياسيّ " ذي فكر ووعي على دين الله
سبحانه، يتعاطى مع السياسة وكلّ القضايا والمجريات حسب أحكام شرع
 الله سبحانه هو أهمّ وأعظم الأعمال التي يسعى إليها مريدو التغيير تجهيزاً
 لدولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة الثانية بإذن الله.
وما ذلك على الله بعزيز
والحمد لله رب العالمين.

الحياديّة



من طبيعة البشر أن يحاولوا إيجاد حالة من الانسجام
والتوافق بين ما يحملون من قناعات وبين المفاهيم التي تعترضهم
في حياتهم ويكون مطلوباً منهم اتخاذ موقف تجاهها،
 والأصل أن يحصل هذا الانسجام والتوافق إن كان التعاطي مع تلك المفاهيم
أو المصطلحات مبنياً على أساس فكري ثابت واضح عند الشخص، وتمامُ الانسجام
والطمأنينة يحصلان أن كان ذاك الفكر الأساس صحيحاً...
غيرَ أنّ هذا الحال ليس هو الحاصل في الحياة اليومية والعملية عند العديد من الناس،
فيتصادمون مع مفاهيم حُمّلَت معانٍ أخرجتها عن حقيقتها، فيعملون بجهل أو بعلم
على محاولة جمعها مع نسيج أفكارهم والزعم بأنهم يدركونها ويدركون معانيها
في نَسَق من التناقضات غريبٍ وممجوج    !!
وكان الأحرى بهم أن يدرسوها، يفهموها، يُدركوا حقيقتها ومقاصدها ثمّ يتخذوا الموقف
الصحيح تجاهها: قبولاً أو رفضاً.

هذا التقديم كان حتى نصل إلى مفهوم مطروح، يلزم إدراك واقعه ثمّ تحديد الموقف
الصحيح تجاهه انطلاقاً ممّا يحمل الإنسان من قناعات.
والمفهوم هو: الحيادية أو الحياد
والذي تمّ تزويره ليقع في قلوب وعقول قليلي العلم موقعاً مقبولاً يستسيغونه ثمّ
يستخدمونه فيكونون بذلك أداة من أدوات تزوير المفاهيم وتغييب حقيقة معانيها
عن الناس، وبالتالي: محاولة صرف الناس عن اتخاذ الموقف السليم والصحيح تجاهها.
لأن مسألة " اتخاذ المواقف " هي المقصودة من مسألة الحَرف والتزوير.

إن استقرأنا ما هو موجود من " تعريفات " لمفهوم الحياد والحيادية
نجد أنّ المنتشر بين الناس هو التالي في الأعمّ الأغلب:
حياد: ( اسم )
مصدر: حَايَدَ
 الحِيادُ: عدَمُ الميْل إِلى أي طرفٍ من أَطرافِ الخُصومة
 على  الحِياد: غير منحاز لأيٍّ من الطرفين
و الحِياد  السِّياسيّ: مذهب سياسيّ يقوم على عدم الانحياز إلى
 كتلة سياسيّة من الكتل المتصارعة في الميدان السِّياسيّ.

وهذا المعنى الموضوع لهذا المفهوم هو عين التحريف والتزوير،
يروق هذا المعنى للمنافقين والعاجزين والمتهربين من أن يكون لهم موقفٌ
من حَدَث ما أو قضية ما...فيحاولوا إقناع أنفسهم بصحّة موقفهم
ثمّ يحاولون إقناع الناس بصحة هذا الموقف بناء على تعريفٍ مُضلّل وفي غير محلّه.
مع أنّه لو رجعنا إلى ذاك التعريف الخاطئ نجد أنّ: الحياديين الذين لم يميلوا إلى
طرف من أطراف الخصومة في الحقيقة قد اتخذوا موقفاً وهو: أن لا يكون لهم موقف،
فكانوا طّرفاً " ثالثاً " بين الطرفين.
ولمزيد من محاولات " تجميل " قبيح هذا المعنى أعطوه مزيداً من التفسيرات فقالوا
أنّ الحيادية هي: العقلانية، عدم الانحياز...  وهذا وهم لا حقيقة له.

ولو دقّقنا في حقيقة معنى " الحياد " و " الحيادية " لوجدنا أنّه على النقيض تماماً من
المعنى المطروح للاستهلاك بين العاجزين،
فمعنى الحياد باللغة العربية لا علاقة له بالمفهوم السابق،
 فقد جاء في "لسان العرب" (مادة: حَيَدَ):
"حاد عن الشيء: يَحيد حَيدًا وحَيَدانًا ومحيدًا وحيدودة: مال عنه وعدَل"،
 وقد اشتقَّت كلمة (مُحايد) من كلمة (حادَ)، وهي على نفس المعنى.

إذن:
فحقيقة مفهوم الحياد والحيادية يتصادم تماماً مع المعنى الذي يفهمه عامّة الناس.
ولو أردنا أن نطبّق معنى الحيادية " الموهوم " عملياً على الأرض فلن نجد له واقعاً
مطلقاً، فالناس تجاه قضية معينة بارزة ينقسمون إلى: مع، ضد، أو عاجزين عن
اتخاذ أيّ موقف.
وعند المسلم، لا يمكن ولا يُقبَل منه إلا أن يكون صاحب موقف تجاه كلّ أمر ومسألة
تواجهه، وذلك لناحية أنّ الشرع طلب من المسلمين أن يتقيّدوا بأحكام ربّهم في كلّ أمر
ومسألة، وبذا هم أصحاب مواقف واضحة لوضوح أحكام الله، والذين يكون موقفهم
" لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " في قضية بانَ حُكم الله فيها فهم المنافقون.
وحتى لا يقع فهم خاطئ لهذا الكلام أقول:
أنّ المقصود هو أنّ يفهم المسلم حكم الله سبحانه في المسألة، وقد يفهم الحُكم لكنه يعجز
لسبب واضح أن يتخذ إجراءً بيّنه الشرع تجاه المسألة، فإن كان عجزه يقع في دائرة
المعاذير المقبولة فهو ليس المقصود من قولي بأنّه من المنافقين، بل هو في هذه الحالة
من المعذورين، على أن لا يأتي بخلاف حكم الله بحجّة العجز.

بالتالي، فالحيادية بمعناها المطروح تتصادم تماماً مع الحيادية بمعناها الحقيقي كما ورد
في اللغة، وتلك حقيقة لغوية لا يجوز بحال أن تُعطى معانٍ تخالفها وتناقضها، فإن
حصل ذلك كان المقصود منه التضليل والتزوير.


 الفرد المسلم:
والمسلم بفرديته لا يمكن إلا أن يكون صاحب موقف واضح، وذلك كما أسلفت لأنه ملتزم
بأحكام الله التي حدّدت له ما يجوز وما لا يجوز من الأفعال والأقوال والمواقف.

وكذا  الكتلة أو الجماعة:
ينطبق عليها لناحية التزام أحكام الله ما ينطبق على الفرد، ابتداءً من أصل
وجودها وتكوينها وانتهاءً بسياساتها ومواقفها.

وكذلك  الدولة:
وجب أن تنضبط في قوانينها وكلّ سياساتها بشرع الله سبحانه، وتلتزم أحكامه،
 تُقبل على ما أمر الله به، وتميل وتحيد عن الذي نهى عنه.

لذلك فإن الزعم بوجود شيء اسمه " الحياد " بناءً على المعنى الموهوم بأن لا يميل
 أحدُ إلى طرف من الأطراف هو معنى لا واقع له، حتى أنّ إطلاقة " دول عدم
الانحياز " على مجموعة من الدول أيضاً لا حقيقة ولا واقع له بدليل أنّ من
يتتبّع سياساتها يجدها تتخذ مواقف ضدّ أو مع طرف من الأطراف في مسائل
وقضايا تزعم فيها الحياد.

أمّا " الحيادية في الإعلام "
فهي من أكبر وأشنع الكذب الذي تمّ ترويجه بين الناس وتضليلهم من خلاله،
فالثابت أنّ الإعلام على مختلف أشكاله ليس فقط ينحاز إلى طرف دون طرف،
 بل يُعتبرُ الإعلام السلاح الأعتى لطمس الحقائق وتزوير الوقائع، فضلاً
عن أنّه – في الأغلب الأعمّ – يتبع سياسة الدولة فيُحَسّن قبيحها ويروّج لبضاعتها
الفكرية والسياسية الفاسدة..
وفوق ذلك: يتخذ موقف " الحياد عن " قضايا المسلمين فيزيّفها جنباً إلى جنب مع
تزوير قناعات ومفاهيم الناس وتضليلهم..والشواهد على ذلك فوقَ أن تُحصى.

بقيت نقطة أودّ طرحها وهي المتعلقة بمسألة: نقل الواقع أو الخبر
وهذه تختلف عن حيادية المواقف، فنقل خبر ما أو حَدَث ما " كما حصل "
لا يُسمى: حيادية، بل هو: موضوعية في النقل
والنقل للخبر بحدّ ذاته ليس اتخاذاً لموقف تجاه الحدث أو القضية، إذ أنّ اتخاذ
 الموقف – إن لزم اتخاذ موقف – يأتي فيما بعد نقل وفهم الحدث.
لذا فلا يصح الخلط بين النقطتين.

في الختام:
فإنّ الحيادية بالمعنى المطروح هي مزيج من التخاذل والجُبن، لما في ذلك المعنى
من ترك للحق وتكريس للباطل، وإخراج لهذا المعنى عن حقيقته اللغوية
 وبمعنى آخر:تعطيل لمعاني المعاريف والمناكير
لناحية التعاطي معها كمّا بيّنت أحكام الله سبحانه.
وأصلُ التحريف والتزييف في هذا المعنى للحيادية هو إفراغه من معناه الأصلي
الصحيح وتلبيسه معنى مضادّ ومتصادمٌ تماماً مع حقيقة معناه، لذا دأب أهلُ الوعي
والعمق في الفهم على القول بضرورة "تحرير المصطلحات والمفاهيم" وبيان معانيها
ومقاصدها قبل الخوض في مسألة اتخاذ الإجراء حيالها، ذلك أنّ اتخاذ إجراء تجاه
مسألة ما يُبنى بشكل آكد على فهمها وإدراكها، وكما قيل: أنّ الحكم على واقع ما
هو فرعٌ من تصوّره...
وللعلماء أقول رائعة راقية في مسألة تحرير المصطلحات والمفاهيم تدلّ على عمق
وعيهم ودقّة أفهامهم، ومنا ما قاله ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " :
( ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله، أن ينشأ الرجل على اصطلاح
حادث،فيريد أن يفسِّر كلام الله بذلك الاصطلاح ،ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها )

وقال:
( والأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة المشتبهة لما فيها
من لبس الحق بالباطل ، مع ما توقعه من الاشتباه والاختلاف والفتنة ، بخلاف الألفاظ
المأثورة والألفاظ التي تثبت معانيها فان كان مأثوراً حصلت به الألفة وما كان
معروفاً حصلت به المعرفة ، فإذا لم يكن اللفظ منقولاً ولا معناه معقولاً ظهر
الجفاء والأهواء !!)
( الدرء 1/271)

لذلك كلّه فلا توجد حيادية – بالمعنى المزيّف - بين الحق والباطل
ولا حيادية بين قاتل ومقتول وظالم ومظلوم
ولا حيادية من قبل مسلم في ظلّ مصائب تحصل للمسلمين في أيّ بلد كانوا.
فهذا دربُ المتخاذلين المثبّطين الذين لا يراعون شرع الله في أفعالهم أو أقوالهم
أو مواقفهم.
 والمتفحّص يجد أن أغلب الاختلافات بين الناس في قضية معينة يكون أساسها
اختلافهم في فهم واقعها، واختلافاتهم في التعاطي مع مصطلح أو مفهوم معيّن
سببه عدم اتفاقهم – ابتداءً – على معانيه ومدلولاته وضبطها.

وفي ذلك يقول ابن تيمية:
 " وما من أهلِ فن إلا وهم معترفون بأنهم يَصطلحون على ألفاظ يتفاهمون بها مرادَهم،
كما لأهل الصناعات العملية ألفاظٌ يعبرون بها عن صناعتهم، وهذه الألفاظُ هي عُرفية
عرفًا خاصًّا، ومرادُهم بها غير المفهوم منها في أصل اللغة، سواء أكان ذلك المعنى
حقا أو باطلا "
 
يقول تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58]،
 ويقول - جلَّ من قائل -: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8].

الثلاثاء، 5 مايو 2015

لقاءات ماراثونية لمحاولة منع المخلصين في الشام من السيطرة مع قرب سقوط النظام




دي مستورا المبعوث الأممي، أو بوصف أدق: المبعوث الأمريكي
للشام يقول:
التطورات على الأرض "فرضت تغييرا ً" بالمشاورات.
وقال:
تمّ توجيه الدعوة لقيادات "عسكرية" عديدة من المعارضة.
____________________
واضح أنّ قصده من " التطورات " على الأرض هو ما حققه
الثوار من انجازات، وما لحق بقوات النظام وحلفائه من خسائر
ومن تقهقر من كثير من المواقع التي سيطر عليها الثوار،
وبناء على ذلك نفهم سبب توجيههم الدعوات لقيادات " عسكرية "
من المعارضة، وذلك لوصولهم إلى حالة انغلاق سياسيّ، وكأنهم
يحاولون استباق الانجازات العسكرية للثوار عن طريق أعمال عسكرية
يخططون، أو يحاولون التخطيط لها...
وأيضاً: من هذا المنطلق نفهم تحركات ‏زهران علوش قائد " جيش الإسلام "
وزيارته إلى ‏تركيا، وكما قيل إلى ‏السعودية أيضاً.

وكان زهران علوش قد زار تركيا والتقى بجهاز مخابراتها، وقيل أنه
انتقل منها إلى السعودية، وفي مشهد مريب كان جيش الإسلام
التابع لعلوش قد أقام حفل تخريج وعرض عسكري لما يقرب من 1700 عنصر
على بعد مئات الأمتار من دمشق ومن قصر بشار الأسد دون أن يتعرض
له النظام أو حلفاؤه سواء إيران أو حزبها، وهذا لا يمكن أن يدخل في
سياق التحدي للنظام بقدر ما يدخل في سياق " ترتيبات مخابراتية " تركية
وأمريكية للاعتماد " مستقبلاً " على زهران علوش وجيش الإسلام في أن
يكون أداة للناتو وللأمريكان تحديداً في محاولة استباقية منهم لضبط الأمور
في الشام وريفها عند انهيار النظام الذي بات وشيكاً.

إنّ التطورات العسكرية على الأرض، والانجازات التي يحققها الثوار
كانت وراء تأجيل السعودية لجلسات ولقاءات سياسية للتمهيد لجنيف3
وذلك لأنهم وجدوا أنهم لا يملكون الوقت الذي يسمح لهم بمحاولة تمرير
مسرحياتهم السياسية 

الاثنين، 13 أبريل 2015

ارفع راية رسول الله





بالرغم من أنّ سادتنا العلماء أسهبوا في
بحث مدلول " خبر الآحاد " وأنّه يُرشد إلى العمل
ولا يُرشد إلى العلم - والعلم يعني الاعتقاد -
ورغم هذا يُطل علينا أشخاص يطالبون
بدليل " متواتر " في مسألة ‏رفع راية رسول الله !!



أولاً: لو أنهم فقهموا قول سادتنا العلماء حين قالوا
أن خبر الواحد يُرشد إلى العمل لعلموا أنّ الروايات
التي ذكرت " راية ولواء " رسول الله صلوات الله عليه،
على افتراض ضعفها عندهم، تطلبُ منهم أن يرفعوها

ثانياً: لو أنهم فقهوا " مناط البحث " وأنه منصبّ على
" رايات سايكس بيكو " التي وضعها وألزم بها الكافر الذي
قسّم بلادنا وشتت شملنا لعلموا وجوب نبذه ونبذها.

ثالثاً: ضربوا بالأدلة عرض الحائط، ولم يرضوا بما ورد وجاء
عن النبي صلوات الله عليه، وفي ذات الوقت طابت نفوسهم
بما " تواتر " عن فرنسا وبريطانيا وأمريكا من أدلة على
شرذمتهم للبلاد وتلزيم #‏رايات_سايكس_بيكو للأنظمة ليتخذوها
عنواناً لتبعيتهم وعبوديتهم !!

سبق أن أشرت الى أن هذه المسألة هي " قضية "
وليست مجرد رأي واختلاف حوله...
وإنّ لها ما بعدها

#‏ارفع_راية_رسول_الله.









السبت، 11 أبريل 2015

حكم الشرع في تبنّي عَلَم الائتلاف وأشباهه




بسم الله الرحمن الرحيم
  الحمد لله ربّ العالمين، هادي الناس إلى سواء السبيل، المنعم عليهم بتشريع يُصلح
أمرهم ويرعى شؤونهم ما تمسّكوا به إلى يوم الدين. والصلاة والسلام على المبعوث
رحمة للعالمين محمّدٍ خاتم النبيّين وعلى آله وصحبه ومن اتّبعه واستنّ بسنّته وسار
على دربه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:

منذ أن رُفعت الراية الإسلامية وانتشرت في ثورة الشام المباركة وسقطت أمامها
الرايات القُطرية والوطنية أعربت الأطراف الدولية والإقليمية - ومعها الهيئات
والشخصيات السورية المرتبطة بها - عن استيائها من هذه الظاهرة التي كشفت
بوضوح تطلّع أهل الشام إلى دولة تطبِّق الإسلام وتُحيي هويَّتهم الحضارية بوصفهم
جزءًا من الأمّة الإسلامية. وقد اشتدّت الحملة مؤخّرًا ضدّ الراية الإسلامية من خلال
إبراز العَلَم الذي ظهر مع نشوء الكيان السوري في عهد الانتداب الفرنسي عقب
الحرب العالمية الأولى. وكان واضحًا أنّ الإصرار على ترويج هذا العَلَم وتكريسه
رايةً لأهل سوريا وثورتهم هو تأكيدٌ من رافعيه التزامهم نظامًا علمانيًّا يعقب
سقوط نظام بشّار، ورفضهم قيام دولة إسلامية ترعى شؤون الناس بالشريعة
الإسلامية وتحمل الإسلام رسالة إلى العالم. 
وأكثر ما يُحزن ويؤلم في الفصل الأخير من هذه الحملة هو اتّكاء هؤلاء العلمانيين
على مقالات تحمل صبغة "الفتاوى" الشرعية التي تُقلِّل من شأن اعتماد الراية
الإسلامية وتسوّغ رفع عَلَم الكيان العلماني الذي أنشأته فرنسا في الجزء الأوسع
من بلاد الشام في عشرينيات القرن الماضي. وعليه فإنّ الواجب الشرعي يقتضي
تبيان الحكم الشرعي في رفع هذا العَلَم.
لقد كان ملاحظًا أنّ الذين أفتَوا بجواز اتّخاذ هذا العلم كان مدار كلامهم على جواز
أن يكون للمسلمين رايات ملوّنة يصطلحون عليها لترمز إليهم، فتتعدّد الرايات
وألوانها بتعدّد الكتائب والفرق والقطاعات والدوائر. والحقيقة أنّ مدار البحث
ليس ههنا، إذ إنّ القول بجواز تعدّد الرايات الفرعية والتفصيلية وجواز أن يكون
للولايات رايات مختلفة وبألوان متعدِّدة لا يصلح مدخلًا لتبرير رفع العَلَم الذي
يروّج له الائتلاف العلماني المتواطئ مع المجتمع الدولي والقوى الإقليمية ضدّ
إسلامية ثورة الشام. 
وبيان ذلك أنّ الحكم على شيء من الأشياء بالحِلِّ أو الحرمة يتطلّب بدايةً معرفة
واقع هذا الشيء، ما هو. وهذا ما يُسمّى في علم الأصول بتحقيق المناط. فالمناط
هو الشيء أو الواقع الذي يتعلّق به الحكم الشرعي المستنبط من الأدلّة الشرعية،
أي من الكتاب والسنّة وما أرشدا إليه. 
والواقع المبحوث هنا - وهو عَلَم الائتلاف - لا يكون إدراكه بإدراك ألوانه وشكله،
ومن ثَمّ الحكم عليه من هذه الزاوية. وإنّما إدراكه يكون من حيث هو رمزٌ يرمز
إلى معنى أو فكرة، فيكون الحكم عليه تابعًا لحُكمِ ما يرمز إليه من معنى أو فكرة
أو شيء. فالأعلام والرايات واقعها أنّها رموز، والرموز لها بكلّ تأكيد حكم في
شرع الإسلام، إذ لا يخلو الشرع الإسلامي من حكمٍ شرعيٍّ لأيٍّ من أفعال العباد،
ولا لأيٍّ من الأشياء من حيث الحِلُّ والحُرمة. 
فالعَلَم يُتَّخذ رمزًا، مثلما أنّ الشعارات والرسوم تُتَّخذ رموزًا، ومثلما أنّ الكلام والتعابير
والكتابات هي رموز. فالكلام هو رموزٌ تعبِّر عن الأشياء والمعاني، والكتابة هي
رموزٌ تعبِّر عن الكلام. وكذلك الرسوم والأختام والأعلام والرايات هي رموزٌ تعبِّر
عن أشياء ومعانٍ وأفكار. ونظرة إلى الرموز التي تحملها أعلام الدول المعتبرة
تؤكِّد ذلك. فما حكم الإسلام باعتماد الرموز واستخدامها؟
لا خلاف أنّ الرموز، من لغةٍ وكلام وكتابة وحروف وأختام ورسوم ورايات وأعلام،
هي من المباحات في الشرع، بناء على قاعدة أنّ "الأصل في الأشياء الإباحة".
والرموز هي من الأشياء، فتأخذ حكم الإباحة. فضلًا عن أنّ الأدلّة تضافرت على
جواز استخدام الرموز في الشرع. إلّا أنّ عموم الإباحة هذا هو عرضة للتخصيص.
والقاعدة الشرعية تمامها: "أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم".
والأدلّة الشرعية دلّت على أنّ الرموز إن كانت تعبِّر عن أشياء أو معانٍ تخالف
الشرع فإنّها تكون حينها من المحرَّمات. وفيما يلي بعض الأدلّة على ذلك: 
أولًا: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا
وَلِلْكَافِرِينَ عذابٌ أَلِيمٌ}. في هذه الآية نهى الله تعالى المسلمين في عهد النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم عن استخدام عبارة من العبارات التي هي من رموز المعاني،
وهي عبارة "راعنا"، مع أنّ الأصل أنّها مباحة، إلّا أنّ النهي هنا أخرج هذه العبارة
من عموم الإباحة. وعلّة ذلك النهي أنّ يهود المدينة استخدموها رمزًا لمعنًى مسيءٍ
للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، بما تحتمله هذه العبارة من معنى في اللغة. قال ابن كثير
رحمه الله: "فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا، يقولون: راعنا. يُوَرّون بالرعونة، كما
قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا
وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا}".
ولذا حرّم الله تعالى هذه العبارة على المسلمين لحرمة ما ترمز إليه، ولو احتمالًا.
قال الشوكاني في فتح القدير: "وفي ذلك دليل على أنّه ينبغي تجنّب الألفاظ المحتمِلة
للسبّ، والنقص، وإن لم يقصد المتكلِّم بها ذلك المعنى المفيد للشتم؛ سدًّا للذريعة
ودفعًا للوسيلة، وقطعًا لمادّة المفسدة، والتطرّق إليه". 
ثانيًا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:َ «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي
وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي»
(رواه مسلم).
وفي رواية لمسلم أيضًا زيادة: «وَلاَ يَقُلِ الْعَبْدُ رَبِّى، وَلَكِنْ لِيَقُلْ سَيِّدِي».
وههنا أيضا نهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن استخدام عبارات معيَّنة، لِـما ترمز
إليه -ولو احتمالًا- من معانٍ باطلة منهيٍّ عنها.
وعليه فإنّه وفق هذه القاعدة يكون الصليب محرّمًا، مع أنّ الصليب في الأصل شكل
من الأشكال الهندسية التي الأصل فيها الإباحة، ولكنّه خرج من عموم الإباحة لـمّا
صار يرمز إلى معتقد كفرٍ يناقض العقيدة الإسلامية. وكذا النجمة السداسية المعتمدة
لدى اليهود، وشعار المنجل والمطرقة على النحو المعروف لدى الشيوعيين، وشعار
المثلَّث والبيكار المعتمد لدى الماسونية... فهذه كلّها أشكالٌ الأصل فيها الإباحة،
ولكن لـمّا اعتُمدت رموزًا لأديان كفر وعقائد كفر خرجت من عموم الإباحة
إلى  الحرمة. 
وكذلك أعلام دول الكفار القائمة في العالم، وأعلام الدول القطرية القومية والوطنية
القائمة في العالم الإسلامي، والتي بُنيت على أنقاض دولة الأمّة الواحدة، فإنّ
رفعها أو اعتمادها صار محرَّمًا بمجرّد أن اتُّخذت أعلامًا لهذه الدول، مع أنّها في
الأصل أشكالٌ من الأشكال المباحة. على هذه القاعدة يُنظر إلى واقع العَلَم الذي
يُروَّج اليوم لأهل سوريا وثورتهم، وعلى هذه القاعدة يُعرف الحكم الشرعي فيه،
أي على قاعدة ما يرمز إليه هذا العلم، لا من زاوية أنّه قطعة قماش ملوّنة فيكون
حكمه الإباحة!
وواقع هذا العَلَم أنّه يرمز إلى كيانٍ قُطْري نشأ في عهد الاحتلال الفرنسي، بقرار 
من المفوّض السامي الفرنسي. ففي سنة 1930م أصدر المندوب السامي الفرنسي
هنري بونسو المرسوم 3111 الذي نصّ بموجبه على صياغة "دستور الجمهورية
السورية"، ثمّ صدر هذا الدستور فيما بعد في عهد الاحتلال الفرنسي. وهذا الدستور
أشار إلى أوصاف العَلَم في المادّة الرابعة من الباب الأوّل بما يلي:
"يكون العَلَم السوري على الشكل الآتي: طوله ضعف عرضه، ويقسّم إلى ثلاثة ألوان
متساوية متوازية، أعلاها الأخضر فالأبيض فالأسود، على أن يحتوي القسم الأبيض
منها في خطّ مستقيم واحد على ثلاثة كواكب حمراء ذات خمسة أشعة".
وبقي هذا العلم معتمَدًا حتّى قيام الجمهورية العربية المتّحدة، إثر إعلان الوحدة بين
سوريا ومصر عام 1958، حيث اعتُمد عَلَم الجمهورية العربية المتحدة. ثمّ بعد انهيار
الجمهورية العربية المتّحدة في 28 سبتمبر 1961، أُعيد ذلك العَلَم، إلى أن وصل
حزب البعث إلى السلطة من طريق انقلاب سنة 1963، فألغى هذا العَلَم واعتمد
عَلَمًا جديدًا أقرب ما يكون إلى عَلَم النظام الحالي. وعليه فإنّ هذا العَلَم رمزٌ لدولة
علمانية قُطْرية تحكم بغير ما أنزل الله، أقامها الغرب الكافر على أنقاض دولة الخلافة،
عقب اتّفاقيات بين الدول الكبرى، كاتّفاقية سايكس-بيكو بين فرنسا وبريطانيا خلال
الحرب العالمية الأولى، ومقرّرات مؤتمر سان ريمو الذي عُقد في إطار عصبة
الأمم سنة 1920 في إيطاليا، والذي فوَّض "الانتدابَ الفرنسي" القسمَ الشمالي من
بلاد الشام. في تلك الظروف والأجواء وُلد ذلك العَلَم الذي يُعمل اليوم على ترويجه،
وذاك هو الكيان السياسي الذي يرمز إليه.
وعليه فإنّ رفع هذا العلم ومحاولة إلصاقة بالثورة إعلانٌ واضح وصريح بأنّ غاية
الثورة هي مجرّد إسقاط نظام بشّار وعصابته وحزبه، وأنّ الغاية القصوى للثورة
هي العودة إلى ما قبل انقلاب حزب البعث، أي البقاء في دائرة العلمانية. فهل هذا
جائزٌ في شرع الله؟! وهل هذا ما يريده أهل الشام؟! العودة إلى وديعة بريطانيا
وفرنسا فينا؟! تلك الوديعة التي قامت على أنقاض دولة الخلافة الإسلامية؟! 
هذا من حيث النشأة ومن حيث الكيان الذي كان يرمز إليه هذا العَلَم. أمّا من حيث
الواقع المستجدّ له: فإنّ هذا العَلَم هو العَلَم الذي اعتمده الائتلاف الذي يعلن ليل نهار
رفض قيام دولة إسلامية في سوريا، وأنّ هدفه هو دولة مدنية علمانية ديمقراطية.
وبالتالي بات واضحًا أنّ الحرص على رفعه يرمي إلى إسقاط الراية الإسلامية التي
ترمز بدورها إلى إسلامية الثورة، وإلى إسلامية المشروع السياسي الذي يرتضيه
أهل سوريا. وما دامت هذه رمزيتها، فكيف يعمد بعض (الـمُفتين) إلى تجويزها
وتسويغها، مقدِّمًا تلك الخدمة الجليلة لأعداء المشروع السياسي الإسلامي: مشروع
الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؟!

الخلاصة:
إن عَلَم الائتلاف هو ومنذ وجوده رمز لدولة قُطرية علمانية كانت تحكم بغير ما أنزل
الله تعالى، أنشأها الكافر الفرنسي المستعمر على أنقاض دولة الخلافة. وبقي عَلَمًا لها
حتى استيلاء حزب البعث على الحكم سنة 1963م. ومن يعمل على إحيائه
يعلن - من حيث يدري أو لا يدري - أنّه يريد العودة بسوريا إلى ما قبل حزب
البعث مباشرة، أي إلى تلك الدولة العلمانية القطُرية ذات حدود سايكس-بيكو.
وحكمه في الشرع هو حكم ما يرمز إليه. فما دامت تلك الدولة دولة مخالفة لشرع
الله يكون العَلَم الذي يرمز لها مخالفًا للشرع، يحرم تبنِّيه واتّخاذه ورفعه. علاوة
على أنّ ترويجه اليوم من قِبَل الائتلاف العلماني المرتبط بالنظام الدولي هو في
مواجهة الراية الإسلامية، من أجل إسقاط ما ترمز إليه من مشروع سياسي إسلامي:
مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة، ما يزيده حُرمة فوق حُرمة.

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا
مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
أحمد القصص
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان
الجمعة 21 جمادى الآخرة 1436ه
10 نيسان 2015م




الأحد، 5 أبريل 2015

الخلافة الراشدة الثانية




ليسَت مفخرة للأمريكان ولا للغرب كلّه أنهم قادرون
على التحكّم في ‏بلاد المسلمين
فهم يدركون تماماً أنّ ذلك ما كان ليتحقق لهم
لولا أمرين اثنين:
أولاً: هدم ‏دولة الخلافة
ثانياً: شرذمة وتفتيت بلاد المسلمين
وبناء أنظمة حكم تابعة عميلة ذليلة يتحكمون من خلالها
بالبلاد والعباد....
وهم يدركون أيضاً أنه في الوقت الذي ينتظم فيه حالُ المسلمين
تحت راية واحدة وإمام واحد ستكون نهاية جبروتهم وانكسار شوكتهم
وتخليص العالم - كلّ العالم - من شرورهم وظلمهم وظلمات مبادئهم.
وهذا كائنٌ بوعد الله سبحانه
والخلافة التي نتكلم عنها يعلمونها علم اليقين.
وقد خَبروها وعرفوا بأسها كما عرفوا عَدلها.

الجمعة، 23 يناير 2015

بالخلافة وحدها تتحقّق معاني نُصرة النبي




الإساءة إلى نبيّ الله محمد صلوات ربي وسلامه عليه ليست وليدة اليوم
وليست مقتصرة على عرض فيلم هنا أو هناك يسيء إليه صلوات الله عليه
فقد سبق ذلك اعتداءات من مثل الرسوم الكاريكاتيرية الدنمركية والفرنسيّة وغيرها

فالقضية متكرّرة، متواصلة، تختلف فيها الوسائل والأدوات والأساليب
وكذا ردّ الفعل عليها عند المسلمين، فردّ فعل الحكومات لا يرقى بحال إلى مستوى ردّ فعل
الناس بالرغم من أنّ رد فعل الناس أيضاً ليس هو الحل الناجع المانع لتكرار تلك الإساءات
مع شديد الاحترام والتقدير لعواطف الناس المتأججة التي تأبى الدنيّة في دينها وتأبى أن يُشتم
نبيّها صلوات الله وسلامه عليه، وتكتفي الحكومات ببعض الإجراءات التي لا تحقّق عزّة
ولا تعكس كرامة ولا تلبي حكماً من أحكام الله تعالى في المسألة!!
إن من واجب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا أن نحبه ونجله ونبجله ونعظمه ونتبع
سنته في الظاهر والباطن،وأن نذب عنه كيد الكائدين ومكر الماكرين .

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، كتاب نفيس في هذه المسألة وهو
( الصارم المسلول على شاتم الرسول) ينبغي لكل مؤمن قراءته ، لاسيما في هذه الأزمان
التي تجرأ فيها كثير من المنافقين والملحدين على سب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما
رأوا تهاون المسلمين، وقلة غيرتهم على دينهم ونبيهم، وعدم تطبيق العقوبة
الشرعية التي تردع هؤلاء وأمثالهم عن ارتكاب هذا الكفر الصراح. نسأل الله تعالى
أن يعز أهل طاعته ، ويذل أهل معصيته .

ولنقرأ معاً كيف كان الحالُ مع إيذاء النبي وسبّه في قصّة
الصغيرين اللذين قتلا أبا جهل الذي كان يسب رسول الله:
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ (بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِمِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ)
رواه البخاري.


إن الخلافة وحدها هي التي تقطع ألسنة السوء، فيبقى حصن الإسلام منيعاً، يحرسه فرسانه،
فلا يجرؤ أن يدنو من بنيانه عدوٌّ، ناهيك عن أن يتسلق البنيان. إن قضية الخلافة هي الإسلام
وليست العروش والتيجان ...
إن الإساءة للإسلام هي إعلان حرب، تحرك الخلافةُ من أجلها الجيوش والصواريخ والقاذفات
لتنسي المسيء للإسلام  وساوس الشيطان، بل لن يجرؤ أحدٌ على الإساءة
للإسلام، خوفاً من الخلافة ورد فعلها، حتى دون الحاجة إلى تحريك الجيوش!
إن تاريخ الخلافة ينطق بذلك، وحراستها للإسلام والمسلمين شاهد حي، ليس فقط تجاه من
يسيء لقرآن الإسلام ونبي الإسلام، بل حتى تجاه ما هو أقل من ذلك، وقصة المرأة التي أساء
لها اليهود في سوقهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتالهم وإجلاؤهم ...،
وقصة المرأة التي أساء إليها الروم فقاد الخليفة بنفسه الجيش لتأديبهم ثم كان فتح عمورية ...
ثم أولئك الذين حاولوا الإساءة إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد الخلافة العباسية ...
عندما كان نور الدين زنكي والياً على الشام سنة 557هـ، فانطلق نور الدين بعلم الخليفة
العباسي إلى المدينة المنورة وألقى القبض على أولئك النصرانيين وقتلهما انتصاراً لرسول
الله صلى الله عليه وسلم حيث كانا يحفران خندقاً من منزل استأجراه قرب مسجد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليصلوا إلى قبره صلوات الله وسلامه عليه.
حتى إن الخلافة وهي في فترات ضعفها كانت تحرس الإسلام والمسلمين، وتدخل الرعب
في قلوب الكفار المستعمرين.
لقد ذكر برنارد شو في مذكراته سنة 1913م، أي في عهد ضعف الخلافة العثمانية،
ذكر أنه مُنِعَ من إصدار رواية فيها شيء يسير يمس بالرسول صلى الله عليه وسلم ،
فمنعه اللورد شمبرلين (Chamberlain) خوفاً من رد فعل سفير دولة الخلافة العثمانية في لندن!

أيها المسلمون
من كان يحب رسول الله  صلوات الله عليه فليعمل لإيجاد الخلافة.
ومن كانت مشاعره تثور تجاه من يسيء لرسول الله صلوات الله عليه فليعمل لإيجاد الخلافة.
ومن كان يغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليعمل لإيجاد الخلافة.
ومن كان يحب أن يشفي الله صدور قوم مؤمنين ممن أساء لرسول الله صلوات ربي عليه
فليعمل لإيجاد الخلافة.
ومن كان يحب رسول الله فليتبعه وليعمل على إيجاد الخليفة الذي يبايعه، فلا يموت ميتة
جاهلية(... ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)
ثم من كان يحب أن يحشر مع رسول الله فليعمل لإيجاد الخلافة.
هكذا أيها المسلمون، فالله سبحانه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فألف وعظ ووعظ، وألف
صرخةٍ وصرخة، وألف تصريحٍ وتصريح ... تجاه من يسيء لرسول الله صلوات الله عليه
لن تردعه قدر عشر معشار كلمة من خليفة مؤمن لجيشه بقطع دابر ذلك المسيء الذي يلعنه
الله ورسوله والمؤمنون
﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً﴾.
(الإمام ـ الخليفة ـ جنة يتقى به ويقاتل من ورائه(
فإن ما يمنع الإساءة للإسلام معلوم لا مجهول:
إنها الخلافة على منهاج النبوة، فهي التي تصون الأرض والعرض، وهي الفرض وأي فرض،
فلمثل هذا، أيها المسلمون، فليعمل العاملون.

يقول الله تعالى :
( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)