الجمعة، 7 مايو 2010

مخلوق جاهل جاحد



كلّ الكون يدين لخالقه وجوداً وعدماً، ويستقيم حالُهُ على قوانين ربانية لا يحيد عنها ولا يتخلف.
فلا تجدُ أن الكون ابتدع نظرية- أو ابتُدعت له – يغاير فيها أصل ما هو عليه من نظام وانتظام.
فلا الشمسُ رفضت مسارها، ولا الأرض أرادت نبذ قمرها، ولا ذاك النجم حقد على مجرّته فطلب لجوءً إلى مجرة مجاورة!!
إلا الإنسان، الوحيد من بين مخلوقات الله الذي أراد الخروج على أصل بنائه وانتظام وجوده ونواميس
كينونته!!

وبالرغم من أنّ كلّ ما في الكون يوحي للإنسان أنه مخلوق ويجب أن يسير في حياته وفق هذا التكوين
إلا أنه، وبمعاندة المعاند المتكبر على خالقه وموجده، أبى إلا أن يوجد لنفسه قوانين ونظريات وجود
ونظريات مآل، فطفق يبني لنفسه، من نفسه، قواعد فكرية يبني عليها ويؤصّل على أساسها أصله وفصله
وقوانين وجوده، ونواميس ارتضاها لنفسه ليفسر بها، ويبني على أساسها، أنه فوق المخلوقات، بل أنه لا يخضع
لقوانينها ونظرياتها!!
فظهرت نظرية " الحداثة " على إثر نظرية  النسبية
وحاول من خلالها أن يوجد له كينونة مستقلة عن الخالق فلم يفلح.
فتفتق عقلُهُ "الناقص الجاحد" عن نظريات عهد " ما بعد الحداثة "، فاصطدم بجدران فولاذية ما استطاع أن
يخترقها ولا يتعدى حدودها.

فجاوز ذلك كلّه وابتدع فكرة الإلحاد، الفكر الشيوعي الذي لا يعترف للخالق بوجود ولا بصلة.
فما زاده ذلك إلا امتهاناً للنفس وسقوطاُ في درك سلسلة المخلوقات إلى أن أوصلها إلى ما دون القرود
ليحاول أن يرتقي بها فيما بعد ليصل إلى مرتبة القرد ومن ثمّ ليصل إلى حيث ابتدأ من أنه إنسان...فضاعت من
ذهنه تلك " الحلقة " المتوهمة عنده فلم يجدها في الواقع، فرجع إلى " ذهنه " فوجدها- الحلقةُ - قد ضاعت من
بين ثنايا الذهن العقيم فوصل إلى مرحلة من الخصاء الفكري الذي لم يعد معه يستطيع أيّ إنتاج، فمات من حيث
لم يولد.

فبحث – هذا الإنسان المعاند المكابر لربّه وخالقه – عن قاعدة فكرية جديدة يحاول من خلالها إنقاذ ماء وجهه من
أن يهراق على أعتاب الجهل، "فاهتدى" إلى الرأسمالية محاولاً إيجاد نوع من التوافق، أو العلاقة ما بينه
وبين الخالق لعل حاله يستقيم ويرتقي بنفسه فوق درجة البهائم...درجةً!!
مع إبقائه على حالة العداء والنفور بينه وبين الخالق بأنّ: ما لله لله، وما لقيصر لقيصر!

فتهتكت صلته بنفسه فضلاً عن صلته بخالقه نتيجة الجهل والكبر والمعاندة!!
فلما أن فرغ عقلُ هذا المخلوق من " ابتداع " أية قاعدة فكرية محترمة يسير عليها في حياته لتستقيم
ويستقيم معها، أصبح يبحث في طيات التاريخ عن طرف علاقة يرتبط بها مع غيره، شيئاً كان أم بشراً
ليقنع نفسه أنّ له تاريخُ ُ عريقُ ُ وحاضرُ ُ مجيدُ ُ ومستقبلُ ُ مشرق يرى أبعاده واضحة، ومفاصله جلية.
فاشتعلت في ذهنه، وليس " أشرقت فقط"، قاعدة فكرية يمجّد من خلالها نفسه ويحاول إعطاء ذاته كينونته
فقال: أنا ابنُ الفراعنة، وأنا ابنُ الآشوريين، والكلدانيين، وأنا كنعاني أصيل، وأنا بابلي مجيد!!
فغاص في درك الجهل مع المجاهيل الذين أرادوا لأنفسهم عزة لكن ما بنوها حق بنائها، وما ارتقوا فيها وفوقها
ارتقاءً فكرياً على أساس قادعة فكرية أصيلة مؤصلة من عند الخالق، لا قاعدة بديلة عرجاء جوفاء مفرغة من
كلّ معنى إلا معاني الجهل والبعد عن الأصل...أنه مخلوق لخالق، لربّ واحد أحد، أوجده وأوجد معه قاعدة
فكرية، وطريقة منهجية يحترم بها كينونته، وتكريم خالقه له، ويرضي بها الله الذي أوجده، وبيده إفناؤه ثم حسابه
ومآلُه...إلى جنة عرضها السماوات والأرض، أو إلى نار موقدة مكفهرة والعياذ بالله.