السبت، 18 يونيو 2011

قراءة في كتاب ... حلف المصالح المشتركة التعاملات السرية بين اسرائيل وايران والولايات المتحدة



تأليف: تريتا بارزي .
الناشر: الدار العربية للعلوم-ناشرون تاريخ النشر: 08/02/2008


تبقى السياسة بشكل عام مثل جبل الجليد لا يظهر منه على السطح سوى قمته في حين يظل الهول الأكبر منه قابع في الأسفل مهددا بالغرق من جراء الاصطدام به ولعل ما يجري على ساحة الأحداث في الشرق الأوسط سيما ما هو متعلق بالمواجهات الأمريكية الإسرائيلية من جهة وإيران من جهة ثانية يؤكد على صدق نظرية السياسة البراجماتية الضاربة في الجذور الأمريكية وتابعتها إسرائيل في الشرق الأوسط.


في هذا السياق يأتي هذا الكتاب كأول كتاب يفك الغاز العلاقات المعقدة والغامضة غالبا بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة.
من هو تريتا بارزي صاحب هذا الكتاب الإشكالي؟
يعد المؤلف الوحيد الذي تمكن من الوصول إلى كبار صناع السياسة الأمريكيين والإسرائيليين كما انه خبير في السياسة الخارجية الأمريكية ولعل أهم ما يشير إليه المؤلف هو العلاقات الثلاثية المعقدة التي تربط بين هذه الدول الثلاث ويجادل بان أمل أمريكا في إرساء الاستقرار بالعراق والتوصل إلى سلام لا جدوى منه بدون فهم المنافسة الإسرائيلية الإيرانية على الوجه الصحي.
يقع الكتاب في نحو أربعمائة صفحة من القطع الكبير ويقسم إلى ثلاثة أقسام موزعة في عشرين فصل يتناول الأول منها حقبة الحرب الباردة والثاني الحقبة أحادية القطب فيما الثالث فشانه الحديث والتطلع عن المستقبل.
من طهران إلى تل أبيب..
علاقات قديمة
تحت عنوان " تحالف أملته الضرورة يتحدث بارزي عن العلاقات السرية الإسرائيلية الإيرانية ذلك انه منذ ولادة دولة إسرائيل واجهت إيران مأزقا ميز تعاملاتها مع الدولة اليهودية منذ ذلك الحين فقد أدرك الشاه أن إقامة دولة ليست عربية موالية للغرب في الشرق الأوسط يمكن أن يعزز امن إيران عبر لفت انتباه الدول العربية وتخصيص مواردها وهي الدولة التقليدية المنافسة لإيران في المنطقة لكن لو أراد الشاه الاعتراف رسميا بإسرائيل أو دعم إنشائها علنا فسيصب جزء من جام غضب العرب على إيران ولذلك توجب على إيران سلوك مسارين العداء المكشوف والتحالف المكشوف وعلى مدى العقود الثلاثة التي تلت ذلك تعامل الشاه مع هذا العمل الموازن بمهارة فائقة.
كان إحساس الشاه هو أن الإيرانيين شبه محاصرين بالعرب والعرب يتبنون دائما سياسات معادية لإيران ولهذا ففي أواخر الخمسينات تبلور اتفاق تفاهمي إسرائيلي إيراني عززه توطيد العلاقات المصرية السوفيتية وبروز عبد الناصر كزعيم للجماهير العربية بعد حرب السويس في العام 1956. ومن جهته لعب بن جوريون على أوتار المخاوف من انتشار الشيوعية ولذلك طلب من الرئيس ايزنهاور دعم حلف إيراني تركي إثيوبي للوقوف بقوة في وجه التوسع السوفيتي عبر الوكيل المصري عبد الناصر وقد تجاوز التوافق بين إيران وإسرائيل حدود التهديدات المشتركة التي يشعران بها فالنمو الاقتصادي المذهل لإسرائيل ورفض العرب بيع نفطهم لإسرائيل جعلا تل أبيب في أمس الحاجة إلى سلعة تملك إيران الكثير منها وهكذا جرى النفط الإيراني في الأنابيب الإسرائيلية.
ومن الأسباب التي عززت تلك العلاقة وجود جالية يهودية كبيرة في إيران تتلهف إسرائيل لانتقالها للدولة العبرية كما كانت طهران على استعداد لتوفير ممر امن لليهود العراقيين للوصول إلى إسرائيل أيضا وبدورها طمعت إيران في نفوذ إسرائيل في واشنطن وكانت في أمس الحاجة إلى التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة من اجل نموها الاقتصادي.
وقد شكلت الزيارة التي قام بها بن جوريون لإيران في العام 1961 سابقة في البروتوكول السري فقد أبقيت الزيارة سرا، واتبعت الرحلات المتتالية التي قام بها رؤساء الوزراء الإسرائيليون لإيران البروتوكول نفسه.
وباختصار القول فقد نجحت إيران طوال ثلاثة عقود في الحفاظ بتحالف جيوسياسي مع دولة تمنحها اعترافا رسميا وعلى السماح بتواجد إسرائيلي كبير في طهران بدون الاعتراف ببعثتهم كسفارة.
والشاهد أن الشاه قد تعلم بالطريقة الصعبة كيف أن المعرفة العلنية بتعاملاته مع إسرائيل تضر بالمصلحة الاستراتيجية وعليه فقد بقيت القنوات السرية فعالة ووصلت إلى حد التجسس على مصر والعراق وبقية الدول العربية وغير خاف على احد كيف أمدت إيران إسرائيل بالنفط في حرب أكتوبر من عام 1973 عندما امتنع العالم العربي كله عن ذلك.
إسرائيل والتعاون مع آيات الله
في أعقاب عودة آية الله روح الله الخوميني إلى إيران وسقوط دولة الشاه بدا على السطح خسارة استراتيجية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل غير أن القنوات السرية كانت لا تزال تعمل ويبدو أنها مستمرة والعهدة على الراوي " تريتا بارزي " ففي فصل يحمل عنوان " تحولات أيديولوجية، واستمراريات جيوسياسية " يوضح كيف أن وحدة الهدف الفارسية الإسرائيلية تتجاوز الخصومات إذا كان الهدف تحطيم قوة العرب.
ففي مستهل العام 1980 أي بعد شهور على اندلاع أزمة الرهائن قام احمد كاشاني النجل الأصغر لأية الله العظمى أبو القاسم كاشاني بزيارة إسرائيل لمناقشة مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري ضد البرنامج النووي العراقي في اوزيراك.
وقد أثمرت رحلته عن موافقة بيجن على شحن إطارات لطائرات الفانتوم المقاتلة إضافة إلى شحن أسلحة إلى الجيش الإيراني وقد جاء قرار بيجن متناقضا تماما مع مصلحة الولايات المتحدة وسياسة واشنطن الصريحة القائمة على فرض العزلة على إيران لتامين تحرير الرهائن الأمريكيين.
وعلى الجانب الأخر كان الخميني يسمح لعدد كبير من اليهود الإيرانيين بمغادرة إيران وقد عبر الآلاف منهم نحو باكستان باستخدام الحافلات ومن هناك جرى نقلهم بواسطة الطائرات إلى استراليا حيث سمح لهم بالهجرة إلى الولايات المتحدة أو إلى إسرائيل.
واستنادا إلى محمد رضا أمين زاده وهو مسئول إيراني فر من البلاد في العام 1985 أجرى عقيد في الجيش الإسرائيلي اسمه يوري المفاوضات على الصفقة والذي زار إيران في مستهل العام 1980.
كشف استعداد إيران للتعامل مع إسرائيل كيف أن المآزق التي كانت تعاني منها طهران حدت من قدرتها على متابعة أهدافها الأيديولوجية. خلال هذه المرحلة المبكرة اظهر الثوريون ميلا إلى وضع الأيديولوجية جانبا لتقديم أمنهم ومصالحهم الخاصة، في لحظة معينة قام احد المقربين من آية الله الخميني بأخباره بان هناك شحنة كبيرة من الأسلحة تفكر إيران في شرائها ومصدرها إسرائيل،سعى هذا الشخص إلى الحصول على موافقة أية الله الخميني على المضي قدما في صفقة الشراء وسال آية الله الخميني أن كان من الضروري مناقشة مصدر الأسلحة والاستعلام عنه عند القيام بعملية الشراء فأجاب ذلك الشخص بالنفي فرد عليه آية الله الخميني بهدوء " إذا نحن لا نبالي ".
طهران وازدواجية الخطاب
بدا واضحا بشكل متزايد فيما بعد أن خطاب إيران المعادي لإسرائيل لا يتطابق مع سياستها الفعلية ففي الوقت الذي كانت إيران تتعامل فيه سرا مع الحكومة الإسرائيلية كانت تدين علنا الدولة اليهودية وتشكك في حقها في الوجود على سبيل المثال دعا وزير الخارجية الإيراني في 14 أغسطس آب 1980 إلى وقف مبيعات النفط إلى الدول التي تدعم إسرائيل وبعد صخب كبير لم يتم تنفيذ ذلك التهديد وقد بدا واضحا انه بعد أن تولى الثوريون السلطة تصرفوا بناء على مبادئ مختلفة.
أحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية للحكومة الثورية كانت " المعارضة الخطابية لإسرائيل والتعاون العملي مع الدولة اليهودية ".
ومن الواضح أن الترتيبات لم تكن مثالية بالنسبة إلى إسرائيل لكن منطق المبدأ المحيطي أرغم إسرائيل على التودد إلى الإيرانيين فتصاعد شعبية الرئيس المصري أنور السادات في الولايات المتحدة وعلاقات بيجن الخاصة المجمدة مع كارتر عقدا الخيارات الاستراتيجية الإسرائيلية فإذا كان التقارب الأمريكي العربي بعد كامب ديفيد سيتعزز أكثر فان حاجة إسرائيل إلى ثقل موازن إقليمي للعرب ـ إيران ـ سيزداد تبعا لذلك ومن هنا كان من الضروري إبقاء الأبواب مفتوحة للفوز بإيران مجددا.
ويعلق غاري سيك الذي خدم في مجلس الأمن القومي الأمريكي في ذلك الوقت على ذلك بالقول " من منظور إسرائيلي كانت تلك خطة استراتيجية بعيدة المدى كانت تلك السياسة المحيطية كانوا يحاولون تكرار التجربة الإثيوبية مع إيران لكن في 22 سبتمبر 1980 تحققت تكهنات الشاه بان صدام حسين سيهاجم إيران عندما يعطي الفرصة بعد خمس سنين فقط من التوقيع على اتفاقية الجزائر وبدلا من أن تجد إسرائيل نفسها أكثر اعتمادا على إيران كانت طهران هي التي وجدت نفسها فجأة في حاجة ماسة إلى قدرة إسرائيل على الحصول على الأسلحة الأمريكية.
تعاون عسكري في مواجهة بغداد
بعد مرور ثلاثة أيام على دخول القوات العراقية الأراضي الإيرانية قطع موشي دايان زيارة خاصة كان يقوم بها إلى فيينا لعقد مؤتمر صحفي لحث الولايات المتحدة ـ في غمرة أزمة الرهائن ـ على نسيان الماضي ومساعدة إيران على مواصلة دفاعها عن نفسها.
بعد ذلك بيومين قال نائب وزير الدفاع الإسرائيلي موردخاي زيبوري لصحيفة معاريف الإسرائيلية بان إسرائيل ستقدم مساعدات عسكرية لإيران في حال غيرت موقفها ألعدائي من الدولة اليهودية وهذا ما جرى بالفعل... وكانت النتيجة أن تم عقد لقاء جمع بين مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين لإبرام صفقة أسلحة وهناك ناقش العقيد الإسرائيلي بن يوسف ونظيره الإيراني العقيد زارابي مدير المجمع الصناعي العسكري بإيران اقتراحات كثيرة منها اتفاق يسمح لتقنيين إسرائيليين بتدريب الجيش الإيراني على تعديل العتاد الحربي أمريكي الصنع بحيث يلائم قطع غيار إسرائيلية الصنع وفي واشنطن حث السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة افراييم ايفرون وزير الخارجية الأمريكي ادموند موسكي على تليين موقف إدارة كارتر من مبيعات الأسلحة إلى طهران مع نقل هواجس تل أبيب من مضامين الانتصار العراقي.
وعلى العكس من رغبات واشنطن تراجع بيجن عن الوعد الذي قطعه لكارتر واستأنف مبيعات الأسلحة وقطع الغيار لإيران وإثناء اللقاء الأخير بين كارتر وبيجن الذي انعقد في 13 -11-1980 أعاد بيجن التأكيد على مصلحة إسرائيل في استئناف العلاقات مع إيران.
ويجمل البروفيسور " ديفيد مناشري " من جامعة تل أبيب والخبير الأول في الشؤون الإيرانية بإسرائيل مشهد الميل الإسرائيلي لإيران بالقول " طوال فترة الثمانينات لم يقل احد في إسرائيل شيئا عن وجود خطر إيراني لم يتفوه احد حتى بهذه الكلمة " كان الهدف الإسرائيلي حتمية هزيمة جيش صدام حسين وبالاحرى الخلاص من جيش عربي يزيد حجمه بمقدار أربعة أضعاف عن حجم الجيش الإسرائيلي.

إيران تعرض وواشنطن ترفض
في 9 ابريل نيسان 2003 سقط نظام صدام وشعرت إيران بان الأيادي الأمريكية تمتد إليها لهذا بادر الإيرانيون بإعداد اقتراح شامل بين حدود صفقة ضخمة محتملة بين البلدين تعالج كافة نقاط النزاع بينهما حملها إلى واشنطن " تيم غالديمان " السفير السويسري القائم بالأعمال الأمريكية أذهل الاقتراح الأمريكيين سيما وانه حصل على موافقة المرشد الأعلى للثورة خامنئي،
يقول " فينت ليفريت " المدير الرفيع لشؤون الشرق الأوسط لدى مجلس الأمن القومي اعترف الإيرانيون بان أسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب قضايا قابلة للتفاوض كما عرضوا وقف دعمهم لحماس والجهاد ودعم عملية نزع سلاح حزب الله وتحويله إلى حزب سياسي وفي الموضوع النووي عرض الاقتراح فتح البرنامج النووي الإيراني بالكامل أمام عمليات تفتيش دولية غير مقيدة من اجل إزالة آية مخاوف من برامج التسلح الإيرانية إضافة إلى استعداد إيران لتوقيع البروتوكول الخاص بمعاهدة عدم الانتشار كما عرضت إيران التعاون الكامل في مواجهة المنظمات الإرهابية فيما البند الأكثر إثارة هو قبولها بإعلان بيروت الصادر عن القمة العربية أي خطة السلام التي أعلنها ولي العهد السعودي عام 2002 في بيروت.
وفي المقابل كان للإيرانيين مطالب تكتيكية مثل تسلم أعضاء من المنظمة الإرهابية ـ بحسب المؤلف ـ الإيرانية العاملة في العراق منظمة مجاهدي خلق في مقابل تسليم ناشطين من القاعدة تحتجزهم إيران أما المطالب الاستراتيجية فقد أراد الإيرانيون التوصل إلى تفاهم على المدى الطويل مع الولايات المتحدة عبر وقف كافة التصرفات المعادية التي تقوم بها أمريكا مثل خطاب محور الشر والتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية وإنهاء كافة العقوبات الأمريكية واحترام المصالح القومية الإيرانية بالعراق ودعم مطالب الإيرانيين بالحصول على تعويضات عن الحرب واحترام حق إيران بالحصول غير المقيد على التكنولوجيا النووية والبيولوجية والكيميائية وأخيرا الاعتراف بالمصالح الأمنية الإيرانية المشروعة في المنطق كما أوضحت الوثيقة الإجراءات الخاصة بالتفاوض المتدرج إلى حين التوصل إلى اتفاقية تكون مقبولة لدى الطرفين.
والتساؤل كيف جاء الرد الأمريكي؟ واقع الحال انه لم يقتصر على رفض العرض الإيراني فقط بل وجهت واشنطن لوما وتقريعا بالغا للسفير السويسري باعتباره تجاوز حدود التفويض الدبلوماسي.
والشاهد أن الكتاب ملئ بالمناورات والأسرار والعلاقات الخفية بين مثلث واشنطن ـ طهران ـ تل أبيب سيما وان كل منهم تسعى للسيطرة على المنطقة الشرق أوسطية ما يستدعي تساؤل ماذا عن المستقبل؟

بين طموحات إيران وأهداف إسرائيل
الإجابة بحسب " تريتا بارزي " أن التصادم بين طموحات إيران الإقليمية وإصرار إسرائيل على الهيمنة الاستراتيجية سيبقى سببا لزعزعة الاستقرار والأضرار بصالح واشنطن في المنطقة ما لم تعترف أمريكا بأنه لا يمكن إرساء الاستقرار ولا الديمقراطية بدون إنهاء لعبة الموازنة والسعي بصدق إلى بناء شرق أوسط يكامل بين التطلعات المشروعة للدول كافة بما في ذلك إيران لكن إدارة بوش لا تزال مصرة لغاية الآن على مقاومة مثل هذا التحول.
غير انه في مرحلة ما على الطريق سيعتري أمريكا ضعف شديد بسبب إخفاقها في العراق لدرجة أن المنافسة الإسرائيلية الإيرانية ستطغي على المخاوف التي تساور واشنطن من أن إيران ستنجح في تحدي هيمنتها ففي خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه بوش في 10 يناير 2007 اتهم إيران بزعزعة استقرار العراق ودعم الميلشيات الشيعة وبدافع من رغبة جامحة للمحافظة على هيمنة أمريكا على المنطقة أشار بوش إلى انه ستتم مواجهة إيران وفرض مزيد من العزلة عليها من قبل الولايات المتحدة عبر تشكيل تحالف مناؤى لإيران يتألف من الدول العربية وإسرائيل بمعنى أن سياسة توازن القوى ستبقى الدليل الذي يوجه أمريكا.
ولعل أفضل من عبر عن محتوى هذا الكتاب كان مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق زيجينو بريجنسكي والذي قال " إن الكتاب دراسة ثاقبة ومثيرة وفي الوقت المناسب تماما تفك الغاز كيفية تلاعب كل من إيران وإسرائيل بسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالرغم من أن العلاقات بين الطرفين تراوحت بين التواطؤ السري والتصادم العلني ".
أما شلومو بن عامي وزير الخارجية الإسرائيلية السابق فيقول عن الكتاب انه شرح رائع لواحد من أكثر الصراعات التي نشهدها اليوم استعصاء في تحليل رصين ومبتكر يكشف عن التلاعب الذي تقوم به كافة الأطراف وبخاصة الإسرائيليين والإيرانيين على الاختلافات الأيديولوجية بغرض إخفاء ما يحتمل أن يكون نزاعا استراتيجيا قابلا للحل ويضيف إن هذه دراسة عن التلاعب بالإيديولوجية والدين في الصراع على الهيمنة على الشرق الأوسط.
وقد شكلت الزيارة التي قام بها بن جوريون لإيران في العام 1961 سابقة في البروتوكول السري فقد أبقيت الزيارة سرا، واتبعت الرحلات المتتالية التي قام بها رؤساء الوزراء الإسرائيليون لإيران البروتوكول نفسه.
وباختصار القول فقد نجحت إيران طوال ثلاثة عقود في الحفاظ بتحالف جيوسياسي مع دولة تمنحها اعترافا رسميا وعلى السماح بتواجد إسرائيلي كبير في طهران بدون الاعتراف ببعثتهم كسفارة.
والشاهد أن الشاه قد تعلم بالطريقة الصعبة كيف أن المعرفة العلنية بتعاملاته مع إسرائيل تضر بالمصلحة الاستراتيجية وعليه فقد بقيت القنوات السرية فعالة ووصلت إلى حد التجسس على مصر والعراق وبقية الدول العربية وغير خاف على احد كيف أمدت إيران إسرائيل بالنفط في حرب أكتوبر من عام 1973 عندما امتنع العالم العربي كله عن ذلك.


الأربعاء، 15 يونيو 2011

التعتيم الإعلامي التركي على اللاجئين السوريين ... جريمة أم إخفاء لجريمة؟



الهلامية والضبابية التي نراها تحيط الأجواء السياسية التركية فيما يخص سوريا والدماء النازفة فيها سببها الانتخابات التركية.
وليس سببها على الإطلاق رفض تركيا ونظامها السياسي العلماني لما يقترفه النظام السوري الموغل في القتل والقمع.
ولو تتبعنا المواقف التركية وتغيّراتها منذ بدء الأحداث في سوريا لوجدنا أنها بدأت بالصمت وانتهت بالخذلان!!
فمع بداية جرائم النظام البعثي لم نلحظ أيّ حراك سياسيّ تركي يحدّد موقفه من تلك الأحداث،
ومع اقتراب فترة الانتخابات التركية، ارتفعت لهجة الخطاب ليتهم رئيس وزراء تركيا رجب طيّب أردوغان النظام السوري بارتكاب " فظاعات" ضد المحتجّين السوريين وقال إنه اتصل بالرئيس السوري بشار الأسد، قبل 4 أو 5 أيام، لمناقشة الوضع في سوريا، مضيفاً أن الإدارة السورية لا تتعامل مع الوضع بصورة إنسانية. وأوضح أردوغان أن قوات شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد قائد الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة لقوات النخبة تتعامل بوحشية مع الشعب

وسبق أن طالب النظام التركي بشار الأسد بأن يضحّي بأخيه ماهر الأسد متهماً إياه بأنه المسئول عن قمع السوريين
ثمّ كان آخر تصريح من تركيا يقول أنّ تركيا مستعدة لكافة السيناريوهات مدنيا وعسكريا!!

أنا أكاد أجزم أن تركيا لا ولم تكن تتمنى يوماً أن تسيل هذه الدماء الطاهرة في سوريا على يد نظام بعثي يُعتبرُ حليفاً استراتيجياً لها، لكن ليس لناحية أنها تهتم بالشعب السوري أو تخاف عليه، وليس من ناحية أنها تحرص على الدّم المسلم من أن يُراق، والحديث عن النظام العلماني التركي وليس عن الشعب التركي المسلم الغيور الذي بدأ يتململ ويظهر شيء من الحراك عليه نصرة لسوريا وأهلها، مع أنّ هذا الحراك لم يصل إلى ما يجب أن يصل إليه من نصرة لإخوانهم وعبور للحدود لتخليصهم من الدمار والتدمير الذي يمارسه عليه بشار العلويّ.

النظام التركي عوّدنا على المسرحيات الهزلية والتراجيدية!!
وعوّدنا كذلك أنّه جاهز لحلّ قضايا الدماء بأن يعتذر القاتل كما حدث حين قتل بنو يهود أتراكاً عبروا لنصرة أهلنا في غزة هاشم في فلسطين.
كما أوهم الناس بأنّه عزيز وذو ماض تليد عندما ذكّر العالم بأنه "حفيد العثمانيين"، وهو في ذات الوقت يتربّع على سدّة نظام حكم علماني يفخر بعلمانيته قام في الأصل على حساب أولئك " العثمانيين" الذين  يتفاخر أمام الناس بنسبه الموصول بهم زوراً وبهتاناً.
وعندما غضب وزمجر وترك مقعده اللّصيق بمقعد بيرس في دافوس!!

منذ السابع عشر من آذار 2011م إلى اليوم ونظام بشار الأسد الحاقد على كلّ مسلم وعلى كلّ من يخالفه من أبناء سوريا يتغوّل على الشام وأهلها بشكل فاق ما فعله والده حافظ حين قتّل أهل حماة وأباد منهم عشرات الألوف.

وكلنا يعلم أنّ من أدوات القمع التي يستخدمها النظام البعثي – عدا عن الرصاص والمدافع-  الإعلام والتعتيم على كلّ ما تقترفه يداه المجرمة ضدّ الشعب السوري، ويحاول جاهداً أن يُطيل زمن التعتيم ليقضي ما يدبّره بحقّ العزّل من الناس من ولدان وشيب وشبّان.
ويتذرّع من يساندونه في العالم بالروايات الكاذبة المفبركة التي يطلقها إعلام بشار، ويستندون عليها ليبرروا لأنفسهم سكوتهم أو تدخلهم الخجول في هذه المجازر.
وها قد وصل إلى تركيا آلاف من البشر، فرّوا بأرواحهم من بلدة جسر الشاغور وغيرها، ووصلوا بلاد حفيد العثمانيين، فوضعهم في خيام على الحدود، وأطبق عليهم، ووضع عليهم حراساته فمنع التواصل معهم، ومنع كلّ وسائل الإعلام المتواجدة في المنطقة من دخول المخيمات أو الحديث مع الناس فيها!!
فما هي حجّته وقد وصل المقتول إلى بلاده؟

لماذا لا تؤخذ شهادتهم فيما جرى ويجري في سوريا؟
لماذا لا يُعلنُ "حفيد العثمانيين" للملأ ما عاناه هؤلاء قبل أن يصلوا إلى تركيا؟
أم أنهم هربوا من تعتيم إلى تعتيم لغاية مشتركة في نفس بشار وأردوغان؟
لكلّ منا الحق أن يتساءل ويتهم، فكلهم موضع اتهام في هذه الجرائم: تنفيذاً  وتغطيةً وتعميةً وتعتيماً.

أيّها الشعبُ المُندس!!


أيّها الشعبُ المُندس!!

لماذا تندسّ
ألم تكن فقيراً فأغناك الرئيس؟
ألم تكن مريضاً فعالجك الرئيس؟
ألم تكن غبياً فعلّمك الرئيس؟
فلماذا تندس؟!

أما كبرت والرئيس أمامك؟
أما كنت ضائعاً فأمسك زمامك؟
أما كنت تائها وكان دائماً إمامك؟
فلماذا تندس؟!

ما كنت ترى العدوّ الصهيونيّ يكيد؟
ويحبُكُ مع الأمريكان الدسائس يريد أن يبيد؟
والزعيم شامخ وعن الذلّ بعيد؟
يرسمُ، يخطّطُ، ويقول:النصرً ليس عنّا ببعيد؟
فلماذا أيها المندسّ تندس؟
أم تراك ظننت جهلاً أن الزعيم يكرهك؟
وأن دبابته تدكّ بيتك وتحرقك؟
ورجال أمنه لك يقولون: ويل أمّك؟

لا، لا تصدّق ناظريك
ولا تحسب أننا نعاديك
فنحن هنا أيها الشعب لنحميك

نحميك من عصابات وحشية
صنعتها أياد أمريكية
أدخولها من بلادعراقـيّـة
ليدمّروا بلدنا الحبيبة سورية.
فلماذا بربّك تندس؟

جنود الزعيم ما اعتادوا المظاهرات
ولا كان ديدنهم شنّ الغارات
تربوا على السمع والطاعات
فالتمس لهم ان أخطأوا وقتلوك...كلّ المعذرات

ايها الشعب المندس
الرئيس يحبك ويسعى لإصلاحات
فهو طيّب فلا تحمّله فوق الطافات
ولا تصدّق كلّ تلك الترّهات


فحمزة الخطيب...
مجرم كبير
كان ينفّذ أجندات غربية
كان يجتمع مع رفاقة كل ليلة
يفكّر ويخطّط ويدبّر لنا... سوء المصير
فلماذا أيها الشعب تندس؟

إنشقاقات واسعة في الجيش السوري


كشفت مصادر سورية في دمشق عن انشقاق مئات الجنود وبينهم عدد كبير من الضباط السوريين بعضهم برتب عالية تصل إلى رتبة عميد، وأضافت أن الانشقاق حصل أخيرا في الرستن وسيعلن عن انشقاقات خطيرة جديدة بعد أن دعا المقدم حسين الهرموش عبر فضائيات عربية جنود وضباط حماة الديار من أجل الانشقاق عن النظام السوري

                                                                       اعتقالات وإهانات من قبل الجيش السوري وشبيحته

وتقول المصادر المطلعة بأن عدد المنشقين من الضباط والجنود في جسر الشغور والذين يعملون على خروج آمن للأهالي المدنيين قبل اقتحام قوات الأمن والشبيحة المدينة قد بلغوا أكثر من 300 بينهم المقدم حسين 
الهرموش والملازم أول عبد الرزاق طلاس وآخرين.

ولاحظت المصادر أن أخطر ما يواجهه النظام السوري الآن هو انشقاق بعض عناصر وصف ضباط الأمن العسكري في محافظة إدلب وهو المعروف ببطشه وسطوته في المحافظة، وقد التحق هؤلاء بالثوار والأهالي، وكان عدد من المنتسبين لجهازي أمن الدولة والأمن العسكري في مدينة معرة النعمان قد انشقوا يوم الجمعة الأخيرة، وهو ما دفع مروحيات النظام السوري أن تقصف المقرين خشية وقوع وثائق خطيرة بأيدي المنشقين.



وتتوقع مصادر وثيقة الصلة في إدلب والرستن ودرعا انشقاق مزيد من الضباط والجنود سيما وأن البعض ينتظر ويتلمس مدى قوته ومدى كلمته على جنوده وضباطه لإعلان ساعة الانشقاق ويبدو أن النظام السوري لديه عقدة بنغازي حيث يخشى أن تتحول جسر الشغور إلى نقطة انطلاق ضد النظام مثل بنغازي سيما مع قربها إلى تركيا وابتعاد الموقف التركي عن سورية والحديث عن إمكانية قيام منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وهو ما يقلق النظام السوري من تغير كبير في السياسة التركية إزاء ما يجري في سورية .

وفي الغضون، بدأ الجيش السوري عملية واسعة النطاق لقمع الاحتجاجات في شمال غرب البلاد بمطاردة المحتجين والمنشقين عن الجيش والقوات الأمنية والذين يسميهم إعلاميا بـ”جماعات إرهابية مسلحة”. وقال ناشط حقوقي اليوم: “انتشرت حوالى 10 دبابات وما بين15 و 20 آلية لنقل القوات حول مدينة بو كمال” على الحدود العراقية.

وأدلى اللاجئون السوريون في تركيا بشهادات تفيد بانشقاقات في صفوف القوى الامنية واتهموا النظام باختلاق قصة “الجماعات المسلحة التي تزرع الفوضى في البلاد” لتبرير قمعهم للمحتجين. وأفاد ناشط حقوقي أن “وحدات الجيش موجودة في جسر الشغور وتسمع طلقات نارية متقطعة في القرى المجاورة”.

وتابع الناشط إن الجيش شن في بلدة ورام الجوز شرق جسر الشغور “مساء الأحد حملة تمشيط مع إطلاق قنابل مضيئة”. وجنوبا في جبل الزاوية انتشرت وحدات الجيش أمس بحسب المصدر نفسه.

وفر عدد كبير من سكان جسر الشغور البالغ عددهم 50 ألف نسمة إلى تركيا منذ اندلاع أعمال العنف قبل اسبوع. وبلغ عددهم اليوم 6817 لاجئا بحسب وكالة أنباء الأناضول. ويتم إيواء اللاجئين السوريين في أربعة مخيمات في إقليم هاتاي نصبها الهلال الأحمر التركي. وتقوم قوات الدرك التركية بتقديم المساعدة للاجئين وتنقلهم إلى المخيمات فيما تنقل المصابين إلى المستشفيات.

وروى اللاجىء السوري عبد الله (35 عاما) الذي كان الأحد في جسر الشغور وقد عبر خلسة إلى تركيا بحثا عن طعام أن “الجنود السوريين منقسمون. انشق جنود في أربع دبابات وبدأت الدبابات تطلق النار بعضها على بعض”. وروى الشاهد الذي عرف عن نفسه باسمه الأول فقط أن القوات السورية “طوقت المدينة بالدبابات في بادىء الأمر” وقال “بدأوا بإطلاق النار من الخارج، أطلقوا النار بغزارة بالرشاشات واستخدموا أسلحة ثقيلة. ثم دخلوا. قالوا إن هناك مسلحين في الداخل، لكن لم يكن هناك أحد في الحقيقة. المدينة كانت خالية”.

وقال إن قوى الامن والشرطيين باللباس المدني والشبيحة أحرقوا المحاصيل بذخائر حارقة وقتلوا الماعز والبقر. وفي المدينة نهبت محلات البقالة والمتاجر ولم يبق شيء. الأبواب مخلوعة.

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

وزير العدل المصري: مصر دولة ديمقراطية وليست إسلامية.



وزير العدل المصري المستشار عبد العزيز الجندي يقول:
 مصر دولة ديمقراطية وليست إسلامية.

فما هي الدولة الديمقراطية:
الدولة الديمقراطية هي دولة تقوم على أساس " فصل الدّين عن الحياة"، أي أنّ حياة الناس، والسياسة المطبّقة عليهم من قبل النظام مفصولة عن الدّين، والدّين هنا – حين الحديث عن مصر- هو الإسلام، فيكون المعنى بشكل أوضح: نظام يقوم على أساس فصل الإسلام عن السياسة وعن معالجة قضايا الناس...
وقضايا الناس تحتويها الأنظمة، أي النظام السياسي، النظام الاقتصادي، النظام الاجتماعي ونظام العقوبات
فكل هذه الأنظمة التي تُختزل فيها معالجات أحوال الناس لا تقوم على أساس دين الله.
والديمقراطية ونظامها السياسي  تقوم كذلك على أساس من الحريات التي قرّرها واضعوا المبدأ الديمقراطي وهي:
حرية الرأي...بأن تقول ما تشاء وتطرح الرأي الذي تشاء
حرية الاعتقاد: بأن يكون لك الحق وكامل الحرية بأن تكون مسلما أو نصرانيا أو يهوديا أو أن لا يكون لك دين.
الحرية الشخصية: بأن تأكل ما تريد، تشرب ما تريد، تلبس ما تريد، دون قيد من دين أو غيره.
وحرية التملّك: بأن تتملك من خلال التجارة والبيع والشراء ومن خلال التعاملات الربوية دون أن يكون لأيّ كان الحقّ بأن يتدخل في حريتك هذه.

والحرية، كما اتفق في الأغلب الأعمّ على معناها: أن تفعل ما تريد، كيفما تريد، وقتما تريد دون قيد أو شرط.
فإن حدّد أحد – دولة أو غيرها – حريّتك هذه فمنعك من أمور أو اشترط عليك شروطاً فيها فلا تكون حراّ فيما تفعل، بل مقيّدا، ولا يقبل من عاقل أن يقول أنه حرّ في ما يقول أو يعتقد أو يأكل ويشرب ثمّ نجده مقيّداً فيها بقانون أو غيره
فهي: إمّا أن تكون حرّاً أو أن تكون مقيّداً.
المسلم، الذي أسلم وجهه لله وآمن به وارتضاه رباً وإلهاً فإنّه ينصاع لخالقه في كلّ أمور حياته، ويسير بحسب أحكامه في كلّ علاقاته، و " يتقيّد" بضوابط الشرع لا يحيد عنها، فكلّ أمور حياته منضبطة بدين الله، لأنه أيقن أنّ الله ليس خالقاً للبشر فقط، بل هو المدبّر وهو الآمر الناهي، وهو الواجب الإتّباع، ودينه الذي هو عقيدة يعتقدها ويجزم بها في قلبه، ونظام حياة System Of Life، وهذا الكلمة بالانجليزية إن قلتها أمام غربي يفهم أنّك تتحدّث عن دين ذو نظام شامل لكل الحياة تنتظم كلّ أمورك بحسبه وتتقيّد به، وفيه معالجات لكلّ شأن من شؤون الدنيا...

أمّا الدولة " المدنية" ونظام الحكم المدني فهو ذاته النظام الديمقراطي سواء بسواء لا يختلفان، فمصدرهما واحد، ومفهومهما واحد، والأساس الذي يقومان عليه واحد كذلك...ولا خلاف إن أطلقت عليهما مجتمعين مصطلح: العلمانية.
ذلك أنها كلّها مصطلحات غربية اصطلح أهلها على أنّ هذه هي معانيها وأسسها بلا خلاف.
فاصطلاح: "الدولة المدنية" نشأ في الغرب لترسيخ فصل الدين عن الدولة، فالـ"دولة المدنية" لا تعني أنها "غير عسكرية" كما يظن البعض، بل تعني أنها: "لا دينية"، ولا دخل للدين -أي دين- في توجيه شئونها ومبادئها.
ولا يجوز لقائله أن يقول: "إنما قصدت أنها غير عسكرية"! إذ ليس هذا هو المعنى المقصود من الاصطلاح.
والمسألة ليست مسألة ألفاظ جامدة لا معاني ولا حقيقة لها، بل كلّ اصطلاح منها له معنى وله حقيقة وله دلالات واضحة محدّدة وكلّها تصب في نقطة واحدة بالغة الأهمية والخطورة وهي: أن لا علاقة لدين الله  بالحياة ولا بالسياسة.
وحتى لا نستمر المضلّلون في الضحك على الناس واستغفالهم وتضليلهم لا بدّ من وقفة صغيرة على معنى: "لا علاقة للدين في السياسة والحياة":
الدّين " الإسلام" هو دين الله تعالى، وهو الدّين الذي أمر سبحان البشر، كلّ البشر" بإتباعه، وهو الدّين الذي ارتضاه للناس ولم يرتض لهم غيره، أي لم يرتض لهم بعد رسالة محمد صلوات الله عليه لا النصرانية ولا اليهودية ولا غيرها.
وقرّر من فوق سبع سماوات قائلاً:
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
كلام واضح جلي لا يماري فيه ولا يجاد إلا من ارتضى لنفسه ما لم يرتض الله له.
فهذا الدّين، هذا الإسلام، هو لله تعالى، وعندما يقول قائل: لا علاقة للدين بالسياسة –التي هي رعاية شؤون الناس- فهو يقول: لا علاقة لله في رعاية شؤون الناس.
فمن يقول بالديمقراطية أو بالدولة المدنية فهو يقول بهذا القول لا جدال
والاختلاف بين من يقولون به هو إمّا أنهم يقولونه:
عن علم: فهؤلاء ارتضوا لأنفسهم ديناّ غير دين الله
أو عن جهل: فهؤلاء وجب عليهم أن يدركوا المعاني والمصطلحات قبل القول بها أو الأخذ بها لأنها مهلكة،  ويجب عليهم في دين الله أن لا يُدخلوا على دين الله وأحكامه ما ليس منه، وأن يلتزموا شرع الله في كلّ شؤون حياتهم، فإن قالوا بأنّ دين الله لا يعالج هذه المسألة أو تلك فقد افتروا على الله بهتاناً عظيما حين ردّوا قول الله تعالى:
مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ.

عودُ ُ على بدء،
إلى ما قاله المستشار الجندي وزير العدل المصري:

من جانب آخر، قال المستشار الجندي إن مصر على مصر العصور "دولة مدنية والآن أستطيع أن أقول مصر دولة ديمقراطية أشمل وأعمق من دولة مدنية، فنحن أمام مصر الديمقراطية القائمة على مبدأ المواطنة ولا فرق بين مسلم ومسيحي، الكل أمام القانون سواء". وأشار إلى أن المادة الثانية من الدستور – التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر- ليس معناها أن مصر دولة إسلامية بل دولة ديمقراطية، وليست إسلامية، لأن الإسلام في القلوب وليس في العمل السياسي.
وأضاف إن "من حق المسيحي أن يمارس سياسة كما هو حق للمسلم وأن يتمتع بنفس الحقوق والواجبات، لأن مصر بلده أيضا فلا يجوز التفرقة على الإطلاق، فنحن نريد مصر دولة لكل من يعيش على أرضها بلا تمييز، والحزب الذي يؤسس على أساس ديني غير مقبول قانونا أو شعبيا، لأن اللعب على الناس بالدين أخطر أسلوب، وأراه أسلوبا رخيصا أن يزج بالدين في السياسة".
وأوضح في رده على كلام "الإخوان المسلمين" بأن مصر دولة إسلامية، قائلا: "على الإخوان أن يعوا جيدًا أن العمل السياسي شيء والعمل الديني شيء آخر، وما يقوله "الإخوان" حول دولة إسلامية سيؤدي العنف غير مقبول منا جميعًا، لأنه يدرج تحت قوائم الإرهاب فلابد أن يسود مبدأ العدل والمساواة لكل مصري بلا تميز وهذا ما نسعى إليه".
المصدر:

لقد صدق المستشار – وهو المطّلع على دستور الدولة وقوانينها- مع نفسه ومع من يخاطبهم، صدق في وصف نظام الحكم في مصر بأنه ليس نظاماً إسلاميا
وأنّه نظام ديمقراطي، فهو بالتالي يفهم الفرق بين النظامين، ويفهم أنّ كلّ واحد منهما لا يعني الآخر، بل هو نقيضه...
وقرّر قناعته وحدّد عقيدته السياسية التي يريدها، وهي ذاتها التي هو وزير في نظام على أساسها: فصل الدّين عن الحياة.
ومع ذلك فهو في ذات الوقت يقرّر عدة أمور فيها من التضليل ما فيها:
أوّلها:
 أنّ الإسلام في القلوب وليس في العمل السياسي.
السياسة أيها الوزير – على أصحّ معانيها- هي رعاية شؤون الناس، فكونك قبلت لنفسك ديناً غير دين الله فلا يحقّ لك ولا يبرر ذلك لك أن تفتري على دين الله!!
لم يقل الله تعالى أنّ الدّين في القلوب، ولم يقل أنّه شأن شخصي ولا فردي، بل هو إيمان وعمل، اعتقاد ونظام حياة، كتابنا الكريم الذي نقرأ كلام الله تعالى منه يقول:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا

أمّا الكتاب الذي يقرأ منه المستشار فيقول قولاً غير قول الله تعالى.

ثانيها:
قوله " لأن اللعب على الناس بالدين أخطر أسلوب، وأراه أسلوبا رخيصا أن يزج بالدين في السياسة".
يذكرني بقول القائلين أن السياسة قذرة ولا يجوز أن نربطها بالدّين!!
الدّين أيها المستشار جلي نقي لا لبس فيه، والسياسة بمعناها الجلي الذي ذكرته لك ولا يختلف فيه العقلاء هي من الدّين، فلا انفصال بينهما ولا تفريق.
أمّا من يدّعون أنهم أهل دين ويتخذونه وسيلة للوصول إلى مقاعد حكم في ظلّ أنظمة لا تحكم بدين الله  فهم والدّاعون الى الديمقراطية والدولة المدنية في الضلالة سواء بسواء.

أختم بما يلي:
هذا الكلام لا أوجّهه للمستشار وزير العدل المصري، فهو يعلم الفرق بين الحقّ والباطل واختار لنفسه الباطل على الحق، فالشرح والإسهاب أعلاه ليس له إلا إن أراد أن يراجع نفسه ويراجع دينه وعلاقته مع الله تعالى ثمّ يتعظ ويفهم ويلتزم.
إنما أقصد منه أمّتي الحبيبة، المسلمين الذين ما انفكّ الناس يضلّونهم عن دين الله، فيخلطون عندهم المفاهيم، ويُلبسون الحقّ بالباطل، ويروّجون بينهم ضلالات على أنها لا تخالف دين الله تعالى، مع أنها لا تخالفه فقط بل هي على نقيض دين الله وشريعته.
فالديمقراطية ليست من الإسلام في شيء، وله ولغيره إن شاؤوا أن يرجعوا إلى أقوال العلماء الذين قالوا بأنّ الديمقراطية كفر لا يجوز الدعوة اليها، وأن من ينادي بدولة مدنية يجب أن يُستتاب.
وكذا المدنية والنظام المدني لا صلة له كنظام ودولة بدين الله
الديمقراطية أخت المدنية أخت العلمانية وكلّهم يخرجون من رحم أنظمة تعادي دين الله وتناقضه جملة وتفصيلاً.
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
صدق الله العظيم.