الخميس، 22 يناير 2015

صناعة العميل




هذه القصة ذكرها الأستاذ «محمود شاكر» صاحب (موسوعة التاريخ الإسلامي)
في كتابه «المغالطات»، طبعة المكتب الإسلامي،
يقول الأستاذ محمود شاكر
عندما احتل البرتغاليون (عدن) عام 919 هـ رفض أهل هذا البلد الاحتلال، وقاوموه بما يملكون،ولكن استطاع البرتغاليون أن يقهروا السكان بما يحوزون من أسلحة نارية حديثة، واضطرالقسم الأكبر من العدنيين إلى ترك موطنهم واللجوء إلى الأراضي المجاورة؛ حيث عُرفوا هناك باسم «اللاجئون»، وأُجبر القسم الأكبر من العدنيين على الخنوع والبقاء في ديارهم تحت عصا الذل وسيف الإرهاب، وحرصت الدول المجاورة، كمصر التي يحكمها المماليك، أن تقاتل البرتغاليين ولكنها هُزمت...
-
نجحت البرتغال في أن تمد قنوات بينها وبين حكام الدول المجاورة عن طريق
 المال والمصالح والسلاح، وكان التعاون بينهم في سرية بعيداً عن أعين
 السكان؛ حيث كانت الشعوب ترفض هذا التعاون رفضاً تاماً، فأظهر
 الحكام أنهم يعادون البرتغال وهم يلتقونهم سرًا ويجتمعون معهم،
البرتغاليون أنفسهم - من باب المغالطة - يهاجمون هذه الدول علناً؛
حتى يلبسوا على الناس أمرها،
لم يجرؤ أحد على الدعوة إلى الرضا بالأمر الواقع أو الدعوة إلى السلام،

-
كان المخطط الصليبي يقضي بأن يتقدم كل حاكم خطوة، ولكن طالت
 المدة وزادت على خمسة عشر عاما...ً

-
فهنا برزت فكرة جديدة؛ وهي أن يتولى حل المشكلة أحد أبناء
عدن، ولا سيما من الذين يعيشون خارج مدينة عدن؛ ليكون بعيداً
عن البرتغاليين، ولتكون له الحريـة، فـوقـع الاختيار على
 شـاب لم يتجـاوز الثلاثـيـن من عـمـره يُدعـى
 «عبد الرؤوف أفندي»، فعرض عليه أحد السلاطين العملاء
 أن يختار معه شباباً يثق بهم؛ ليقوموا بتأسيس منظمة تعمل
على طرد البرتغاليين المغتصبين، وتقوم السلطات بدعم
هذه المنظمة ومدّها بما تحتاج إليه، وتعهد السلاطين بحمايتها ومد يد
العون لها، ودعوة أعوانهم للانضمام إليها؛ (فتبني أهل البلد
مهمة العمل أفضل، وخاصة أمام المحافل الدولية)،
ومُنح «عبد الرؤوف» وعد بأنه سيكون
له شأن كبير وإمكانات مادية عالية، هذا بجانب السلطة
 العسكرية وإصدار الأوامر،
وافق «عبد الرؤوف»، وحَلَّتْ منظمته محل حركة مفتي عدن،
واشترطوا عليه ألا يخرج عن رأي السلاطين.. وهكذا كان.

 
بدأ «عبد الرؤوف» اللعبة وأصبح اسمه «ياسين»، وادعى
النسب الحسيني، وأسس منظمته، وأنشأ فصائل للقتال، وانخرط في
 صفوفها كثير من العدنيين المشردين، وبدأت تخوض المعارك،
وتدخل إلى الأرض المحتلة وتقوم ببعض العمليات الناجحة،
 فارتفعت أسهمه، وأصبح في مصاف القادة ورواد الأمل في العودة
 لدى المشردين...

 
نادى «ياسين» بحمل السلاح بوصفه الحل الوحيد لإنهاء المشكلة،
واللغة الوحيدة التي يفهمها العدو، وصار لا يقبل المهادنة
 ولا المساومة، وبالمقابل شن عليه الأعداء حملة شعواء
واتهموه ومنظمته بالتخريب و...، وتدفقت عليه أموال التبرعات
 والمعونات، وأصبح على مستوى السلاطين

-
شن البرتغاليون غارات على مخيمات اللاجئين، وقاموا بعدد من
 المذابح الرهيبة؛ وذلك لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع...

 
ضغطت الدول الأوروبية على السلاطين لإنهاء المشكلة، فعقدوا
 اجتماعاً وقرروا الاعتراف بالوضع البرتغالي في عدن؛
على أن يتولى إعلان ذلك الزعيم العدني (ياسين)

 
وانتفض العدنيون المقيمون في موطنهم؛ مما دعا الأوروبيين
 إلى عقد مؤتمر عالمي لإحلال السلام في المنطقة وإنهاء المشكلة،.

 
أنيطت القضية بالزعيم «ياسين» الذي أعلن أنه مستعد لحضور
 المؤتمر العالمي، وأنه يتحدى البرتغال أن تحضر!
- وهي التي تتمناه -، فتمنعت تمنع الراغب لإتمام اللعبة
وإخفائها عن الشعب، وتقوية موقف «ياسين» وإبرازه على أنه
هو الذي يدعو وهي التي ترفض؛ أي أن الممتنع هو الموافق،
والراضي هو الرافض!!

 
أعلن أحد السلاطين أنه تخلى عن عدن، وأن أهلها أحرار يحلون
 أمورهم بأنفسهم! وهو الذي كان يعدُّ عدن جزءاً من أرضه،
فأصبحت عدن وحدها أمام البرتغاليين..

-
أعلن «ياسين» أن لأهل عدن حكومة خاصة، وأنه على استعداد
 للاعتراف بالكيان البرتغالي،وبذلك أصبحت هناك حكومتان؛
 إحداهما لأهل عدن المشردين، والأخرى للبرتغاليين ولهم الجزء
الأكبر من عدن!!

 
استمر هذا الوضع حتى جاء العثمانيون عام 945 هـ وطردوا
البرتغاليين من المنطقة..
- وقف أهل عدن يفكرون بالدور الذي مارسه «ياسين» عليهم؛ منهم
من قال: بقي «ياسين» يغالط علينا حتى وصل بنا إلى ما كنا نخشاه،
 ووافق على كل هذه الحلول التي كنا نرفضها، أعطيناه القيادة ليبيع
 قضيتنا، ليبيع أرضنا، ليبيعنا. بعدها بدؤوا يبحثون عن أصله
 ولكن.. فات الأوان!!
أما أعوانه فيقولون: إن الطرق كلها مسدودة، والحلول التي
 طُرحت قد أجهضت أو أخفقت، وليس أمامنا سوى ما تم..

ما أشبه الليلة بالبارحة!!

ليست هناك تعليقات: