الأحد، 29 مايو 2011

إمارة إسلامية !!



من العلامات التي تستطيع أن تستشعر من خلالها ضعف خصمك أن تجعله يصرخ ويحتدّ حين نقاش فكرة أو موضوع، كما أنّ من العلامات تلك أن تجعل " خصمك " في محلّ دفاع مستمر عن كل ما يحمل من أفكار ومفاهيم وقناعات.

سمعت قصة قبل زمن تتحدّث عن " استغلال " قضية في الرجع التاريخي عند الشعب الأمريكي، وهذه القصة متعلقة بالعقلية السياسية التي تحكم أمريكا، وكيف أنها تعمل على بثّ ما تريد بين مكونات الشعب الأمريكي بأسلوب التضليل والمغالطات، تقول القصة:
أنّ فئة من الأمريكان المحافظين في القرن التاسع عشر للميلاد شعروا بتهديد خطير لمجموع قيمهم ومعتقاداتهم وعاداتهم وتقاليدهم، من وجهة نظرهم كان التهديد آت مما يسميه "غير المتدينين" من وجهة نظرهم: التقدم والتحرر من القيم البائدة..
وكان هؤلاء المحافظين يخشون على أبنائهم من " الفوضوية الأخلاقية" التي سيجرها عليهم ذاك الانفتاح الذي يدعو إليه دعاة التطور، ولما كانت الحكومة لا يعنيها دين، ولا تقوم على أسس أخلاقية أيضاً، فإن موقف هؤلاء المحافظين كان بالنسبة لها موقف خارج حدود التقدم والازدهار والرقي..الخ.
فما كان من المحافظين أولئك إلا أن قرروا اعتزال الناس وأن يبتعدوا عنهم مكاناً قصياً
فاتخذوا من أطراف بعض المدن مكاناً للسكن، ووضعوا لأنفسهم معايير وقيم يعيشون بحسبها، ففلحوا الأرض، وربوا الأنعام في محاولة منهم للاستغناء قدر الاستطاعة عن باقي مكونات المجتمع الأمريكي الذي يرفضونه.
فعاشوا منعزلين منفصلين عنهم، وكانوا لا يسمحون لأبنائهم ولا لبناتهم بإقامة أية علاقة مع أبناء وبنات ذاك المجتمع، وتزاوجوا فيما بينهم ورفضوا الزواج أو التزويج من غيرهم في محاولة لإغلاق الدائرة كي لا يخرجوا منها أو يسمحوا بدخول أحد فيها...
وكان هؤلاء لا يختلطون بباقي المجتمع الأمريكي إلا إذا أرادوا بيع بعض منتجاتهم أو شراء ما ينقصهم..
ومع مرور الزمان وزيادة أعدادهم، وملاحظة الناس لهم ولانعزالهم أطلق عليهم وصف : الأصوليون"
فالأصولية لها ارتباط وثيق بالنصرانية، وهي عند من أطلقها يقصد بها شريحة من النصارى آثروا التمسك بدينهم وقيمهم وقناعاتهم في وجه التحرر والتخلي عن القيم وعن الدّين...
وطالت هؤلاء حملة من التشويه والتسفيه والتحقير إلى أن رسخ في وجدان الناس على مرّ العصور ربط قوي بين:
الأصولية والتمسك بالدين وبالقيم
ووصفوهم بناء على ذلك بالمتعصبين،
ولأن الصورة عن هؤلاء " الأصوليين " قد انطبعت في الأذهان انطباع رفض واحتقار فقد وجد الساسة الأمريكان ضالتهم حين أرادوا أن يصفوا المسلمين وصفاً يبرر لهم عند شعبهم كلّ قرار يتخذونه ضدّهم من حروب واحتلال واستغلال
فقالوا لشعبهم أن المسلمين أصوليون متعصبون!!
ولأن الإنسان الأمريكي يتقلب بين الغباء وانعدام المعلومات عن العالم فقد صدّق ساسته وبرر لهم أفعالهم
فهو يعلم معنى الأصولية، ويعلم معنى التعصب...من خلال تلك الشريحة من أبناء دينه وشعبه الذين نبذوا مجتمعهم فنبذهم مجتمعهم وعاشوا حالة من العداء المبطّن، والتواصل المنقطع.

ومن هنا أرجع إلى العنوان: إمارة إسلامية....
فقد انتهج الغرب ذات النهج مع هذا المصطلح كما مصطلح الأصولية والتعصّب
فربطوا مصطلح " الإمارة الإسلامية" بالقاعدة والمتشددين وبسفك الدماء والتفجيرات وكل أعمال العنف والقتل
حتى أصبح اللفظ إن استخدم يعطي مشروعية تجييش جيوش الغرب واستنفار أعتى العتاد في العالم ليحارب هذه الإمارة ويحارب من يدعون إليها أو..يلصقونها به.
ولا ينسى الغرب أن يذكّر شعوبه بأفغانستان وطالبان وغيرها حين ذكر الإمارة الإسلامية بترادف وارتباط وثيقين.
كما أعطى الغرب بسياسته هذه الضوء الأخضر للحكومات في بلاد المسلمين بأن يستخدموا كلّ ما يلزم من القوة لدفن دعاتها – الإمارة الإسلامية – في مهدهم كما حصل في غزّة هاشم.

حتى أن القذافي قال حين فعل فعلته الإجرامية في مسلمي ليبيا أنهم يؤسسون لإمارة إسلامية أو إمارات إسلامية.
وقد نقل عنه: ".. حذر الزعيم الليبي من سقوط بعض المناطق الليبية بأيدي المتشددين الإسلاميين من أتباع تنظيم القاعدة، وقال إن العالم وأمريكا لن "يسمحوا بإقامة إمارات إسلامية هنا، و"سيجلبون الاستعمار مرة أخرى إلى ليبيا."

وبالطبع فإن المقصود من حرب الحكومات وحرب الغرب كلّه على من يعملون على إقامة إمارات إسلامية هو الحرب على الإسلام وعلى من يدعون إلى إقامة دولة إسلامية جامعة للمسلمين كلهم
فلا يخيل علينا تضليلهم ولا مغالطاتهم حين استخدامهم لهذا التوصيف، فهو توصيف يبررون لأنفسهم من خلاله تدخلهم في بلادنا، والعمل على استمرار التبعية لهم، وتبرير تجييشهم لجيوشهم للتدخل في كلّ كبيرة وصغيرة في بلاد المسلمين.
وهذا التضليل لن يستمر، ذلك أن أداة ووسيلة استمراره واستمرار الغرب في التبرير لأنفسهم هم الحكام في بلادنا الذين بدؤوا يتساقطون عميلاً يليه عميل إلى أن تنتهي سالفتهم في بلادنا وبالتالي ينتهي تسلط الغرب بانتهائهم.

ليست هناك تعليقات: