الأحد، 19 يونيو 2011

فـتحي الشقاقي و الخميني .حقائق لابد أن تعـرف (الجزء الثالث)

محمد الشاعر :
 إنَّ الذي نشهده في واقع أمة الإسلام لَيُدلِّل عـلى مدى الهوان الذي أصابها و الذل الذي اعـتراها وتكمن هـذه المشكلة في تخـبط  المسلمين بين مـنهج أهل الحق الذين هم عـلى الجادة و بين منهج الزيغ و الضلال الذين استمدوا نهجهم من الغـرب آخذين في تطبيقه عـلى قدم و ساق ، و بينما نحن كذلك إذ يخرج عـلينا أناس من بني جلدتنا أرادوا تشويش الحق عـلى أهل الإسلام ناهـيك عـن جرمهم و شدة بأسهم بأهل الحق و هـؤلاء هم أبناء زواج المتعة من الشيعة و أنصارهم , و لكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هـنا هل تم مواجهة التشيع في العالم الإسلامي ضمن مخطط مدروس من قِبَلِ أهل التوحيد ؟

إنَّ مما نعاني منه نحن أهل التوحيد في قطاع غـزة هو وجود الحرية الكاملة تقريباً لكل متشيع في التنظير لفكره و خباثة منهجه بينما لا نجد هذه الحرية في محاربتهم و كشف ضلالهم أمام المسلمين مما يزيد الأمر تعـقـيداً , و بما أنَّ حركة الجهاد الإسلامي في فـلسطين قد تولت الريادة في نشر التشـيع عـن طريق بعـض قادتها الذين باعـوا ذممهم للدولار الفارسي فإننا أمام حركة تزعم الجهاد في سبيل الله و تنادي بالثوابت الفلسطينية كغـطاء أمني لها لتمرير مخطط مدروس وفق الأوامر الإيرانية تهدف إلى جعـل المنطقة مسرحا دمويا بين أهل الحق و بين المعادين لهم وقـت ما تشاء إيران بحسب المطالب الأمريكية الإسرائيلية .  

و قد و ضعـنا أيدينا عـلى كتاب رحلة الدم الذي هـزم السيف و الذي يشرح الأعـمال الكاملة للدكتور فـتحي الشقاقي و مدى تبعـية حركة الجهاد الإسلامي لإيران ، هذا الكتاب رحلة الدم الذي هـزم السيف و الذي يتكون من جزأين حيث قسَّم صاحب هذا الكتاب الجزء الأول منه إلى مقدمة وأربعة أقسام و هي كالآتي: القسم الأول للدراسات ، و الثاني للكتب ، و الثالث للمحاضرات و الندوات، و الرابع للمقالات و الوجدانيات ، و لقد تحدثنا في العـدد السابق و الذي قبله عـن قسم الدراسات ونحن الآن نتحدث عـن قسم الكتب و تحديدا كتاب الخميني الحل الإسلامي و البديل حيث قال فـيه: " ... إهداء إلى رجلي القرن الإمام الشهيد حسن البنا و الإمام الثائر آية الله الخميني ... إنَّ منطق إسلام الحركة الأولى يظهر من جديد و وقف الإعلام الغـربي و تلامذته حائرين مـتخبطين يغـمسون أقلامهم في مداد الشيطان ليكتبوا عـن آية الله الذي التفـت حوله ملايين الجماهـير العـطشى للحرية و العـودة إلى الله ... و وقف الكمبيوتر الأمريكي عاجزا عـن فهم علاقة استـشهاد الحسين منذ أكثر من 1300عام بسقوط نظام كان يُعـتبر أكثر النظم عـصرية و استقرارا في غـرب آسيا ... " (1)

و السؤال الذي يطرح نفسه هـنا ما علاقة استـشهاد الحسين بن عـلي رضي الله عـنهما بسقوط نظام الشاه ؟ إنَّنا نفهم من هذا أنَّ استـشهاد الحسين رضي الله عـنه لا يعـني انطفاء شرارته فـقد عادت من جديد لتتمثل في الخميني الذي أسقط نظام الشاه في هذا العـصر هكذا نفهم من كلام الشقاقي، و الحسين رضي الله عـنه بريء من الخميني و أمثاله براءة الرجل المسلم من الكفر و لا حول و لا قوة إلا بالله تعالى.

كما أنَّ الشقاقي قد أثرى مدحا عـلى الثورة الخمينية و الذي يزعم أنَّها مستقاة من معاني القرآن الكريم حيث قال:   " ... و إن كنت أودُّ أن أشير قـبل ترك هذا الفصل ـ يقصد بذلك الفصل الثاني الذي بعـنوان الإمام الخميني المفكر و المناضل ـ  إلى أنَّ الثورة الإسلامية في إيران ثورة إسلامية بمعـناها القرآني الرحب إنها ليست ثورة طائفة دون طائفة ، إنَّ القواسم المشتركة بين جناحي المسلمين السنة و الشيعة لتكاد ـ بل هي فعلا ـ تشكل جسد هذه الثورة بدءا من منطلقاتها و أهدافها و وسائلها و بواعــثها ، إنَّ الخلاف المطروح بين أهل السـنة و الشـيعة حول إمامة الأئمة الاثنى عـشر و عـصمة الأئمة لا يشكل ـ لا سلبا و لا إيجابا ـ أيَّ تأثير في طبيعة الثورة و مسارها ..." (2).

و كأنَّ الشقاقي يخبرنا أنَّ خرافة عـصمة الأئمة الاثنى عـشر ليس بالمعـتقد الأساسي عـند الشيعة ولكنَّنا سنرد عـليه من كتب عـلماء الشيعة الذين يُثبتون عـصمة الأئمة الاثنى عـشر و أنَّها جزء هام من معـتـقدهم و ذلك بما يلي:

1 ـ روى الكليني في أصول الكافي: [ ... قال الإمام جعـفـر الصادق: نحن خزَّان عـلم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قوم معـصومون أُمِرَ بطاعـتنا و نُهِيَ عـن معـصـيتنا ، نحن حجة الله البالغة عـلى من دون السماء ، و فوق الأرض ... ] (3)

2 ـ قال المجلسي: [ ... إنَّ أصحابنا الإمامية أجمعـوا عـلى عـصمة الأئمة ــــ صلوات الله عـليهم ــــ من الذنوب الصغـيرة و الكبيرة عـمدا و خطأ و نسيانا من وقـت ولادتهم إلى أن يلقوا الله عـز و جل ... ] (4)

3 ـ و في بيان عـصمة الأئمة يقول محمد رضا المظفر: [ ... و نعـتقد أنَّ الإمام كالنبي يجب أن يكون معـصوما من جميع الرذائل و الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، من سن الطفولة إلى الموت ، عـمدا و سهوا كما يجب أن يكون معــصوما من السهو و الخطأ و النسيان لأنَّ الأئمة حفظة الشرع و القوَّامون عـليه حالهم في ذلك حال النبي و الدليل الذي اقتضانا أن نعـتقد بعـصمة الأنبياء هو نفسه يقـتضينا أن نعـتقد بعـصمة الأئمة بلا فرق ... ] (5)

4 ـ و يقول الخميني: [ ... إنَّ الأئمة الذين لا نتصوَّر فـيهم السهو و الغـفلة و نعـتقد فـيهم الإحاطة بكل ما فـيه مصلحة المسلمين ... ] (6)

أما عـصمة الأئمة عـند أهل السنة فهو باطل مردود عـلى أصحابه و إليك قول شيخ الإسلام ابن تيمية في عصمة الأئمة حيث قال " ... وأما عـصمة الأئمة فـلم يقل بها إلا كما قال الإمامية والإسماعـيلية وناهـيك بقول لم يوافقهم عـليه إلا الملاحدة المنافقون الذين شيوخهم الكبار أكفر من اليهود والنصارى والمشركين وهذا دأب الرافضة دائما يتجاوزون عـن جماعة المسلمين إلى اليهود والنصارى والمشركين في الأقوال والموالاة والمعاونة والقتال وغير ذلك.

فهل يوجد أضل من قوم يعـادون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ويوالون الكفار والمنافقين...؟ " (7)

و مما يثير العجب و تشمئز النفس منه ما ذكـره الشقاقي في قسم الكتب و تحديداً في الفصل الثالث والذي بعــنوان أصول الفكر الشيعي ، فـقد تحدَّث عـن العـقـيدة الإمامية مستدلا عـلى ذلك بكلام محمد باقر الصدر الشيعي دون أن يُبَيِّنَ بطلانها وعـلَّق عـليها بكلام يحتاج منا إلى وقفة طويلة معه حيث قال "... [ و يقول الأستاذ محمد باقر الصدر في كتاب التشيع و الإسلام ... أنَّ الشيعة ولدوا منذ وفاة الرسول صلى الله عـليه و سلم مباشرة متمثلين الذين خضعـوا عـمليا لأطروحة زعامة الإمام عـلي رضي الله عـنه و قيادته التي فرض النبي صلى الله عـليه و سلم الابتداء بتـنفـيذها من حين وفاته مباشرة ... و قد تجسد الاتجاه الشيعي منذ اللحظة الأولى في إنكار ما اتجهـت إليه السقـيفة من تجميد لأطروحة زعامة الإمام عـلي رضي الله عـنه و إسناد السلطة إليه ...] هـذا وقد اعـتبر بعـض الصحابة المخـلصين في حبهم للإمام و الذين رأوه أحق بالخلافة كبداية لظهور التشيع ، و من هـؤلاء سليمان الفارسي ، و أبو ذر الغـفاري و المقداد بن الأسود و عـمار بن ياسر ، والحديث هـنا عـن الإمامية ينطبق تماما عـلى فرقة الاثنى عـشرية منهم حيث أنَّ هناك فِرَقًا أخرى تنتمي إلى الشـيعة الإمامية تختلف في قليل أو كثير ... "  (8)    

و نفهم من هذا أنَّ الشقاقي كان يقـصد بكلامه أنَّ بعـض الصحابة رضي الله عـنهم جـميعاً رأوا الصحابي الجليل عـلي بن أبي طالب رضي الله عـنه أحق بالخلافة  ليس من الصحابي عـثمان فقط رضي الله عـنه بل و من الخليفتين أبي بكر وعمر أيضا رضي الله عـنهما ، و الدليل عـلى صحة ما ذهـبنا إليه هو استدلال الشقاقي بكلام محمد باقر الصدر الشيعي الذي سبق ذكـره آنفا ، و ثمة أسئلة كـثيرة لابد من طرحها: هل كان بعـض الصحابة مخلصين في حـبهم للإمام عـلي و الآخرين غـير ذلك ؟ و هل الصحابي الجليل عـلي بن أبي طالب رضي الله عـنه أحق بالخلافة من أبي بكر و عمر رضي الله عـنهم جميعا ؟ و هل كان يوجد أدنى خلل في العـقـيدة عـند الصحابة حتى يبدأ التشيع بالظهور ؟ ثم من قال أنَّ سلمان الفارسي ، و أبو ذر الغـفاري ، و المقداد بن الأسود ، وعـمار بن ياسر رضي الله عــنهم جميعا كانوا مخلصين في حـبهم للصحابي عـلي بن أبي طالب رضي الله عـنه دون غـيره من الصحابة ؟ و ما هي الأدلة الشرعـية التي اعـتمد عـليها الشقاقي في كلامه هذا ؟ ثم إنَّ الشقاقي يتكلم عـن فرقة الرافضة الإمامية فهل كان لهذه الفرقة أدنى وجود في عهد الخلفاء الأربعة الراشدين ؟ و هل يعـلم الشقاقي   و أنصاره زمن ظهور هذه الفرقة ؟ كل هذا و غـيره من الأسئلة سـنجيب عـليها و ندحض الشبه التي أثارها الشقاقي و المنتسبين له بهذا الاعـتقاد بإذن الله تعالى .

الشبهة الأولى: هل الصحابي عـلي بن أبي طالب أحق بالخلافة من أبي بكر الصديق رضي الله عـنه؟ أجاب عـن هذا السؤال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال: " ... ولم يقل أحد من الصحابة قط إنَّ عمر بن الخطاب أو عـثمان أو عـليا أو غـيرهم أفضل من أبي بكر أو أحق بالخلافة منه وكيف يقولون ذلك وهم دائما يرون من تقديم النبي صلى الله عـليه وسلم لأبي بكر عـلى غـيره وتفضيله له وتخصـيصه بالتعـظيم ما قد ظهر للخاص والعام حتى أنَّ أعداء النبي صلى الله عـليه وسلم من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين يعـلمون أنَّ لأبي بكر من الاختصاص ما ليس لغـيره كما ذكـره أبو سفيان بن حرب يوم أحد قال أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثلاثا ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة ثم قال أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب وكل ذلك يقول لهم النبي صلى الله عـليه وسلم لا تجيبوه ..." (9)  

و قال أيضا " ... فالمسلمون اختاروه وبايعـوه ـ يعـني أنهم بايعـوا أبا بكر رضي الله عـنهم ـ  لعـلمهم بأنه خيرهم كما قال له عـمر يوم السقيفة بمحضر المهاجرين والأنصار أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عـليه وسلم ولم ينكر ذلك أحد وهذا أيضا في الصحيحين والمسلمون اختاروه كما قال النبي صلى الله عـليه وسلم في الحديث الصحيح لعـائشة: [ ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عـليه الناس من بعـدي ] ثم قال: [ يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ] فأبى الله وعـباده المؤمنون أن يتولى غـير أبي بكر فالله هو ولاه قدرا وشرعا وأمر المؤمنين بولايته وهداهم إلى أن ولوه من غـير أن يكون طلب ذلك لنفسه ... " (10)  

و بهذا عـلمنا أنَّ أبا بكر رضي الله عـنه أحق بالخلافة من غـيره من الصحابة رضي الله عـنهم جميعـا و لم يعـترض أحد منهم عـلى خلافـته رضي الله عـنه ، و أما تَخَلُّفُ سعد بن عـبادة رضي الله عـنه عـن مبايعة أبي بكر فإنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قد ردَّ عـلى هذا فقال " ...  قد عُـلم بالتواتر أنَّ المسلمين كلهم اتفقوا عـلى مبايعة عـثمان لم يتخلف عـن بيعـته أحد مع أن بيعة الصديق تخلف عـنها سعد بن عـبادة ومات ولم يبايعه ولا بايع

عمر ومات في خلافة عـمر ولم يكن تخلف سعـد عـنها قادحا فيها لأن سعـدا لم يقدح في الصديق ولا في أنه أفـضل المهاجرين بل كان هذا معـلوما عـندهم لكن طلب ـ يعـني سعد بن عـبادة ـ  أن يكون من الأنصار أمير وقد ثبت بالنصوص المتواترة عـن النبي صلى الله عـليه وسلم أنه قال: [ الأئمة من قـريش ] فكان ما ظنه سعد خطأً مخالفا للنص المعـلوم فعُـلم أنَّ تَخَلُّفُهُ خطأ بالنص وإذا عُـلِمَ الخطأ بالنص لم يحتج فـيه إلى الإجماع ... " (11)

و نفهم من هذا أنَّ سعد بن عـبادة لم يتخلف عـن مبايعة أبي بكر الصديق من باب القدح فـيه أو الاعـتراض عـليه و لكـنه تمنى أن يكون من الأنصار أمير ، فلما عُـلِمَ أنَّ ما تمناه سعد كان مخالفا للنص لم يقدح تخلفه في ما قد أجمع الصحابة عـليه من مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عـنه و عـن الصحابة أجـمعين .

الشبهة الثانية: إنَّ الشبهة التي أثارها الشقاقي من أنَّ سلمان الفارسي ، و أبو ذر الغـفاري ، و المقداد بن الأسود ، و عـمار بن ياسر رضي الله عـنهم جميعا كانوا أنصار عـلي بن أبي طالب رضي الله عـنه و التي تمثلت بمثابة البداية في ظهور التشيع فهذا القول قد تزعَّـمه القمي و هو من عـلماء الشيعة حيث قال: [ ... فأول الفرق الشيعة وهي فرقة عـلي بن أبي طالب المسمون شـيعة عـلي في زمان النبي صلى الله عـليه وسلم وبعده، معـروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغـفاري، وعمار بن ياسر المذحجي.. وهم أول من سُمُّو باسم التشـيع من هذه الأمة ... ] (12)

و إليك أخي القارئ هذه الردود التي تدحض بها هذه الشـبهة و ذلك بما يلي:

1 ـ يُلاحظ أنَّ أولَّ من قال بهذا الرأي هو القمي في كتابه [ المقالات والفرق ] و النوبخـتي في كتابه[ فـرق الشيعة] ، وقد يكون من أهم الأسباب لنشوء هذا الرأي هو قـيام الشيعة بمحاولة إعـطاء التشيع الصفة الشرعـية والرد عـلى دعوى خصومهم من أنَّ التشيع يرجع إلى أصلٍ أجنبي، فادَّعَوا هذه الدعوى وحاولوا تأييدها وإثباتها بكل وسيلة؛ كما هو الحال في كتب الموضوعات عـند أهل السنة إذ يوجد روايات كثيرة من وضع الروافض في هذا الباب وقد نسبوها إلى رسول الله صلى الله عـليه و آله وسلم، وزعـموا أنها رُويت من طرق أهل السنة وهي روايات لا يعـرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة . (13)

2 ـ زعموا أن الشيعة كانت تتألف من عمار بن ياسر ، وأبي ذر الغـفاري ، و المقداد بن الأسود ، و سلمان الفارسي و السؤال الذي يطرح نفسه هـنا هل قال أحد هؤلاء بعـقيدة من عـقائد الشيعة من تكفير الشيخين: أبي بكر وعمر وأكثر الصحابة ؟ و هل  أظهروا البراءة والسبَّ لهم أو كراهـيتهم..؟ كلا، لم يوجد شيء من ذلك و لا من أمثاله وكل ما قالته الشيعة من دعاوى و التي ملئوا بها المجلدات لا يعـدو أن يكون وهماً من الأوهام نسجته خيالات الحاقدين والأعداء كقولهم:[ ... إنَّ الزبير والمقداد وسلمان حلقوا رؤوسهم ليقاتلوا أبا بكر... ] (14). وأخبارهم في هذا تملأ الكثير من المؤلفات و نرد عـليهم من قِبَلِ أنفسهم حيث قال ابن المرتضى(وهو شيعي زيدي): [ ... فإن زعـموا أنَّ عـماراً ، وأبا ذر الغـفاري، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي كانوا سلفهم ـ يعـني كانوا سلف الشيعة ـ لقولهم بإمامة عـلي – عـليه السلام – أُكَذِّبُهُم كون هؤلاء لم يُظْهِرُوا البراءة من الشيخين ولا السبَّ لهم، ألا ترى أن عماراً كان عاملاً لعمر بن الخطاب في الكوفة ... ] (15) و هذه الحقائق التاريخية الثابتة تـنسف كل ما شَـيَّدَتْهُ الشيعة من دعاوى في هذا عـبر القرون السالفة و اللاحقة .

الشبهة الثالثة: هل بدأ التشيع بالظهور في زمن الصحابة ؟ 

1 ـ يجيب عـن هذا السؤال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال: " ... فـفي خلافة أبي بكر وعـمر لم يكن أحد يُسمَّى من الشيعة ولا تضاف الشيعة إلى أحد ... " (16)

2 ـ أنَّ هذا الرأي لا أصل له في الكتاب و السنة وليس له سـند تاريخي ثابت، بل هو رأي يجافي أصول الإسلام وينافي الحقائق الثابتة كما أنَّ الحقائق التاريخية المتواترة تـكشف خطأ هذا الرأي ومجانبته للحقيقة إذ أنَّه لم يكن للشيعة وجود في زمن أبي بكر وعـمر وعـثمان رضي الله عـنهم جميعا، وقد اضطر بعـض شيوخ الشيعة للإذعان بهذه الحقيقة وهم الذين مَرَدُوا عـلى إنكار الحقائق المتواترة حيث يقول كبيرهم الذي عـلمهم التشـيع محمد حسين آل كاشف الغـطاء:[ ... ولم يكن للشيعة والتشـيع يومئذ ـ في عـهد أبي بكر وعـمر رضي الله عـنهما ـ مجال للظهور لأن الإسلام كان يجري عـلى مناهجه القويمة ... ] (17) ، و بمثل هذا اعـترف شيخهم الآخر محمد حسين العاملي فقال:[ ... إن لفظ الشيعة قد أُهمل بعد أن تمت الخلافة لأبي بكر وصار المسلمون فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث... ] (18)

3 ـ إنَّ الفرقة التي كان الشقاقي يتحدث عـنها هي الرافضة الإمامية و السؤال الذي يطرح نفسه هنا متى كان ظهور هـذه الفرقة ؟

لقد أجاب عـن هذا السؤال شـيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى حيث قال:"... لكن لفظ الرافضة إنما ظهر لما  رفضوا زيد بن عـلي بن الحسين في خلافة هشام و قصة زيد بن عـلي بن الحسين كانت بعد العـشرين ومائة ، سنة إحدى وعـشرين أو اثنتين وعـشرين ومائة في أواخر خلافة هشام ، قال أبو حاتم البستي قُـتِلَ زيد بن عـلي بن الحسين بالكوفة سنة اثنتين وعـشرين ومائة وصُلِبَ عـلى خشبة وكان من أفاضل أهل البيت وعـلمائهم وكانت الشيعة تنتحله قـلت ـ و اللفظ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ـ ومن زمن خروج زيد افـترقت الشيعة إلى رافضة و زيدية فإنه لما سُـئل ـ يعـني زيد بن عـلي بن الحسين ـ عـن أبي بكر وعـمر فترحم عـليهما رفضه قوم فقال لهم رفضـتـموني فسُـموا رافضة لرفضهم إياه وسُمِّيَ من لم يرفضه من الشيعة زيديا لانتسابهم إليه ولما صُلب كانت العـباد تأتي إلى خـشبته بالليل فيتعـبدون عـندها ... " (19)

و من هذا عُـلِمَ أنَّ زمن ظهور الرافـضة لم يكن بعـد وفاة النبي محمد صلى الله عـليه و آله و سلم مباشرة كما يدَّعي الشقاقي بذلك و لا زمن الخلفاء الأربعة رضي الله عـنهم و عـن الصحابة أجمعين كما تدعي الشيعة بذلك أيضا و ما أكـثر هؤلاء المُدَّعُـون في زماننا و لا حول و لا قـوة إلا بالله تعالى .

كلمة أخيرة لابد منها:  و هو أنَّ إطلاق لفظ الشيعة عـلى الرافضة بات خطأً والرافضة اليوم يَغْـضَـبون من هـذه التسمية ولا يرضونها، ويرون أنَّها من الألقاب التي ألصقها بهم مخالفوهم ، ولهذا يَتَـسَمَّونَ اليوم ( بالشيعة ) وقد اشتهـروا بهذه التسمية عـند العامة و تأثر بذلك بعـض الكتاب والمثقفين فـنجدهم يطلقون عـليهم هذه التسمية ، وفي الحقيقة أن الشيعة مصطلح عام يشمل كل من شايع  عـلياً رضي الله عـنه ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنَّ الشيعة ثلاثة أصناف و هم:

1ـ غالية: وهم الذين غـلوا في عـلي رضي الله عـنه و لربما ادَّعَوا فـيه الألوهـية أو النبوة . 2ـ رافضة: وهم الذين يدَّعُـون النص عـلى استخلاف عـلي  ويتبرءون من الخلفاء قـبله وعامة الصحابة .

3 ـ زيدية: وهم أتباع زيد بن عـلي، الذين كانوا يُفَضِّـلُونَ عـلياً عـلى سائر الصحابة ويتولون أبا بكر وعمر(20) فإطلاق ( الشيعة ) عـلى الرافضة من غـير تقييدٍ لهذا المصطلح غـير صحـيح لأن هذا المصطلح يدخل فـيه الزيدية وهم دونهم في المخالفة وأقرب إلى الحق مـنهم ، بل إن تسميتهم ( بالشيعة ) يُوهم التباسهم بالشيعة القدماء الذين كانوا في عهد عـلي رضي الله عـنه ومَن بعدهم فإنَّ هؤلاء مُجـمعـون عـلى تفضـيل الشيخين عـلى الصحابي الجليل عليّ بن أبي طالب رضي الله عـنه و كانوا يرون تـفضـيله عـلى الصحابي عـثمان رضي الله عـنه  و عـن الصحابة أجمعـين وهؤلاء وإن كانوا مخطئين في ذلك إلا أن فـيهم كثيراً من أهل العلم ومن هو منسوب إلى الخير والفضل ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:"... ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عـلياً أو كانوا في ذلك الزمان لم يتنازعـوا في تفضـيل أبي بكر وعمر، وإنما كان نزاعهم في تفضـيل عـلي وعـثمان ... ". (21) ، لذا فإن تسمية ( الرافضة ) بالشيعة من الأخطاء البينة الواضحة التي وقع فـيها بعـض المعاصرين تقليداً للرافضة في سعــيهم للتخلص من هذا الاسم لِمَا رأوا من كـثرة ذم السلف لهم و مقـتهم إياهم فأرادوا التخلص من ذلك الاسم تمويهاً وتدليساً عـلى من لا يعـرفهم بالانتساب إلى الشيعة عـلى وجه العـموم فكان من آثار ذلك ما وقع فـيه بعـض الطلبة المبتدئين ممن لم يعـرفوا حقيقة هذه المصطلحات من الخلط الكبير بين أحكام الرافضة وأحكام الشيعة فظنوا أن ما ورد في كلام أهل العـلم المتقدمين في حق (الشيعة) يتنزل عـلى الرافضة في حين أنَّ أهل العـلم يفرقون بينهما في كافة أحكامهم . (22)

و أخيرا قد تبين لنا خطر كتاب الشقاقي ـ رحلة الدم الذي هـزم السـيف ـ و ما خفي منه أعـظم و لكـننا لن نتوانى في إظهار الباطل بصورته و الله المستعان و الله غالب عـلى أمره و لكنَّ أكثر الناس لا يعـلمون و الحمد لله ربِّ العالمين.
المصدر: الحقيقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) انظر كتاب رحلة الدم الذي هـزم السيف و التي تشرح الأعمال الكاملة للدكتور فـتحي الشقاقي ج1 ص 459 ــــ 460

( 2 ) المصدر السابق ج1 ص486

( 3 ) انظر كتاب تعـريف عام بالشيعة الإثنا عـشرية ص 91 للدكتور صالح الرقـب

( 4 ) انظر كتاب بحار الأنوار للمجلسي ج 25 ص 350 ــــ 351

( 5 ) انظر عـقائد الإمامية محمد المظفر دار الزهراء للطباعة و النشر الطبعة الرابعة 1403 ه / 1980م ص 52

( 6 ) انظر الحكومة الإسلامية للهالك الخميني ص 52

( 7 ) انظر منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية ج 3 ص 374

( 8 ) انظر كتاب رحلة الدم الذي هزم السيف ج1 ص 487 ـــ 488

( 9 ) انظـر منهاج السنة النبوية ج1 ص 523

(10) المصدر السابق ج2 ص51 ـــ 52

(11) المصدر السابق ج 8 ص314 ـــ 315

(12) انظر المقالات والفرق ص: 15

(13) انظر مثلاً  الموضوعات لابن الجوزي: 1/338 وما بعـدها و الشوكاني/ الفوائد المجموعة ص 342 وما بعدها و الكتاني/ تنزيه الشريعة: 1/351 وما بعدها

(14) انظر رجال الكشي رقم 210 ص 133

(15) انظر أسد الغـابة لابن الأثير 4/64 و الإصابة لابن حجر 2/506 و الاستيعـاب لابن عـبد البر 2/473

(16) انظر منهاج السنة النبوية: ج 2 ص64

(17) انظر كتاب أصل الشيعة: ص 48

(18) انظر الشيعة في التاريخ ص 39 ــــ 40

(19) انظر منهاج السـنة النبوية  ج 1 ص 34 ــ 35

(20) المصدر السابق ج 3 ص 470 بتصرف

(21) المصدر السابق ج 1 ص 13 بتصرف

(22) اقتبسنا بعـض هذه الردود في الرد على الشبهة الثانية و الثالثة من موقع فيصل نور تحت عنوان نشأة الرافضة و أيضا نشأة الشيعة و جذورها التاريخية بتصرف.

هناك تعليق واحد:

عز الدين الفارس يقول...

للاسف الجهاد الاسلامي اطهر واشرف من اتتكلم انته وامثالك عليه اسال نفسك ماذا قدم ماذا فعلك كم نسبت فهمك وذكائك وا كم تعرف عن الاسلام كم تعرف عن التاريخ ربما انته لاتفقه شيىء يكفينا من اشكالاكم لو انتم مسكتم زمام حكم الامة ما بقي مسلم على وجه الارض من قسوة قلوبكم وعدم فهمك للدين اخس عليك حمار