السبت، 10 سبتمبر 2011

حزب التحرير وسياسية رفض "التعامي" عن الحقائق




 منذ أن هيّأ الله تعالى لحزب التحرير أن يحمل مسؤولية إعادة مجد وعزّ المسلمين، وهو يعمل جاداً مصراً وعازماً على أن يعيد ثقة المسلمين بدينهم وعقيدتهم وأحكام ربّهم.
ومنذ اليوم الأول الذي بزغ فيه فجرُه، وضع نصب عينيه هدفاً واحداً واضحاً لا يزيغ عنه وهو: إعادة الحكم بما أنزل الله تبارك وتعالى. واتخذ لنفسه طريقة ليست من بنات خياله، وإنما طريقة شرّعها شرع ربنا ليصل إلى غايته تلك، ألا وهي: إقامة دولة الإسلام، تلك الدولة التي لم يختلف عالم ولا فقيه معتبر على أنها فرض من عند الله تعالى، وإن اختُلف في طريقة الوصول إليها، وثابت بالدليل أن طريقة الوصول إليها هي ذات الطريقة التي انتهجها المبلّغُ عن ربه، محمد صلوات ربي وسلامه عليه.
فكانت هذه الطريق راجحة بالدليل وغيرها مرجوح.
ومهما كانت الصعوبات أمام هذه الغاية العظيمة، والعقبات في طريق الوصول إليها، فإن ذلك كلّه لا يغير من الحقيقة الشرعية، من حيث وجوبها وشرعية طريق الوصول إليها، شيئاً.

ولا اعتبار لخصوصية بلد إسلامي عن آخر، فكلّ بلاد المسلمين تخضع لهذه المعادلة، لسبب واحد: وهو أنها كلّها يغيب عنها شرع الله تعالى.
وشرع الله تبارك في علاه لا يتقسّمُ ولا يتجزّأ، فلا يقال أنه مطبق هنا بنسبة كذا، وهناك بنسبة كذا!
فهو: إما أن يكون مطبّقاً كما أمر الله ورسوله الكريم، أو لا يكون.
أقول ما قلتُ لنخرج من "فرية" أن هناك دولاً إسلامية تحكم بشرع الله، فتلك الدول لا وجود لها في يومنا هذا منذ أن هُدمت دولة الخلافة.

كما أنه لا وجود في دين الله لتقسيمات فرضها " سايكس" ولا "بيكو" ولا من حذا حذوهما من راسمي الحدود بين بلاد المسلمين، الذين أعملوا مبضعهم في جسدها لتمزيقها وتفتيتها ولشرذمة أهلها.
وكل من بنى أو يبنى سياسةً له سواء كان فرداً أو جماعةً أو كياناً زائفاً على أساس هذا التقطيع والتمزيق فهو واهمٌ موتورٌ ومأزوم، وفوق ذلك –إن كان واعياً على هذا الأساس الذي يسير عليه- فهو خادعٌ للمسلمين مضلّلٌ لهم، يخدم سياسة تفريقهم وتشرذهم، وأجندة عمله حينها لا تكون أجندة تقوم على شرع الله لا في أصل ولا في فرع.

أصاب المسلمين ما أصابهم من خذلان وتضييع على أيدي حكام استلموا الحكم في بلاد المسلمين نيابة عن الذين
قسموا البلاد وجعلوها مشاعاً، ولا يُنكرُ منكرٌ أن الغرب اجتمع على تمزيق بلاد المسلمين وهدم دولتهم، ووضع كيانات – يفوقها الكرتون قوة وبيت العنكبوت صلابة – وعلى كلّ كيان جعلوا إمّعة من إمّعاتهم يحكم فيه بأمرهم.

وهذا الغرب لم يفعل ما فعل عن جهالة، بل عن علم وبحث ودراسة، ليُخلّص نفسه من امتداد نور الإسلام إلى بلادهم، ومن زحف قوة المسلمين التي تحمل نور الهداية إليهم، فأجمعوا أمرهم بعد تشرذمهم على أن يقفوا في وجه الدولة الإسلامية ويزيلوها من الوجود، وقد فعلوا.
ولم تقف أفعالهم عند هذا الحدّ، فهم يعلمون أن مكمن القوة وسرها لا يزال في قلوب المسلمين وعقولهم، عقيدتهم التي لم يستطع الغرب أن يمحوها، لذلك فإن مخططاتهم لا تزال قائمة، وسياساتهم لا تزال تُبنى على أساس الحفاظ على كياناتهم وعدم السماع للإسلام بالعودة من جديد.
وعلى هذا الأساس تُبنى كلّ سياساتهم المتعلقة بالمسلمين وبلاد المسلمين، فعيونهم تترقب، ومراكز الدراسات عندهم تترصد، وحُرّاس سياساتهم في بلادنا – الحكام – يسهرون على تمام تحقيق تلك السياسات في بلادنا.
وهذا لا علاقة له بما يسمى "نظرية المؤامرة"، رغم ما يحاول بعض المشكّكين بثّه بيننا، وهي ليست نظرية ليُضاف إليها وصف "مؤامرة"، بل هي سياسة فعلية لها واقع محسوس لا يتعامى عنه إلا جاهل، وكان يكفيه ليعلم مدى جهله أن يتابع تصريحات ساستهم، ويقرأ أبحاث مراكز الدراسات الإستراتيجية الغربية ليعلم أن تلك إنما هي سياسة يصلُ الغربُ ليله بنهاره ساهراً على تحقيقها، يرفدُها بالمال والرجال، ويلوّحُ بالحديد والنار في وجه كلً ما تحدثه نفسُهُ بن يقف في وجهها.

وكلّ علاقة تربطُ الغربُ بأيّ مسلم – ما خلا بعض الناس في بعض أنواع المصالح – تقوم على أساس تكريس واقع احتلال الغرب للمسلمين بلاداً وعباداً وخيرات.

وكل اتفاقية يعقدونها لا تخلو من تحقيق مصلحة لهم، ولعل جاهل يقول: أنه لا مانع من أن يحقق الغربُ مصلحته إن كان في الأمر تحقيق مصلحة للمسلمين!!
أقول أنه جاهل، ومراهق سياسي، وساذج، لأن الحديث ليس عن تحقيق شيء من المصالح التجارية والمالية هنا أو هناك، لفرد أو أفراد أو حتى كيانات، قلّت أو كثُرت...بل الحديث عن أسّ سياسة الغرب تجاه المسلمين وبلادهم، وضمان بقاء لمسلمين مشرذمين متشتتين بين كيانات الزور والبهت.
وفيما يخصّ هذه الزاوية، لا يسمح الغرب لأيّ كان أن يكون له كلمة أو رأي أو مصلحة غيره هو.

وكلّ الاتفاقيات والمفاوضات التي تخصّ بلاد المسلمين حتما تقع ضمن هذه الدائرة: دائرة تحقيق مصالح الغرب كونه هو القوي المتحكم في زمام الأمور، وبلادنا تتبعُهُ، الحكّام في بلادنا خدم عنده وعند مصالحه لا أكثر.
ومن يريد من " هواة السياسة " أن يُخضع سياسة الغرب لمصلحته – جماعة أو كياناً- بتحريف الاتفاقيات المبرمة، أو المفوضات المزعومة، أو التصريحات السياسية زوراً وبهتاناً، فذاك مأفون جاهل لا يرقى لأن يكون سياسياً ولا واعياً على السياسة الدولية من قريب أو بعيد.
فإن صدرت تصريحات من زعيم هذه الحركة أو تلك، يزعُمُ فيها قدرته على إبرام اتفاقية، أو عقد صلح، أو إنشاء مفاوضات مع أعداء الله ويضحك فيها على الغرب، أو يدعي أنه يقصد منها غير ما فُهم فهو بهذه الحالة يظن الغرب الذي يبذل ماله ورجاله للحفاظ على كيانه جاهلٌ لا يدري ما يحدث.
كأن يقول مثلاً: نقبل بدولة فلسطينية في حدود عام 1967
ثم يقول: لن أعترف بكيان يهود
ولن أعترف بوجودهم
ولن أتفاوض معهم
مختصر الكلام: أن هذا تضليل وتحريف.
فكل من يفقه مجريات الأمور، وكل سياسيّ ولو كان يحذوا على أربع في السياسة يفهم أن هذا التصريح
يحمل في طياته القبول بوجود بني يهود في حدود ما قبل 67، سواء أقرّ بذلك أم لم يقرّ أمام الناس الذين يضللهم
ويعني بذلك: التفريط في الأرض التي وافق أن يكونوا عليها.
ذلك أن الأمر لا يقف عند حدّ تصريحاته، بل يتعداه إلى قوانين الشرعة الدولية التي قبل بها وارتضاها مرجعية وحكما. وقوانينهم آخذ بعضُها برقاب بعض، ويترتب على من يقبل بذلك ويقرّ به أن يلتزم بكل قوانينهم تحت طائلة المحاسبة الدولية له، وهو قد أقر بشرعيتهم، وارتضاهم وسطاء بينه وبين أعدائه، وقد أقرّ قبلها أن لا يوجد أي خلاف بينه وبين أمريكا مثلا.
والكل يعلم من هي أمريكا، ويعلم علم اليقين حقدها على المسلمين، وتدميرها لبلادهم، وتشريدها لأبنائهم في شرق الأرض وغربها..ولا يُنازع في ذلك إلا جاهل.
وقضية جوهرية- ارتبط أمرها بعقيدتنا – كقضية فلسطين، تخضع عند الغرب لذات المعادلة المصلحية التي ينتهجا ويبذل الغالي والنفيس لأجل أن يضمن استمرار تحقيق مصالحه فيها، فلا يظُننّ أي مدّع للسياسة والريادة والزعامة أنه قادر – دون قوة كيان ودولة – أن يؤثر في مصالح الغرب فيها!!

ومن الرعونة السياسية أن يدعي أي زعيم حركة تخضع لمعادلة المصالح الدولية في المنطقة ويقبل بها طرفا وحكماً أن من يكشف زيفه وزيف ادعاءاته لا يملك الأهلية السياسية أو الشرعية، أو أن انتقاده له ولتصريحاته يقوم على أساس سوء النيّة أو محاكمة النوايا.
ذلك أن الأمر لا يتعلق بالنوايا، فالكلام والأفعال شاخصة ظاهرة لا تحتمل كثير تأويل.
حزب التحرير لم يحاكم النوايا حين قرّر فيما نشر حول إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية بأنها أنشئت لتضييع فلسطين والتنازل عنها، قبل أن تفعل المنظمة ذلك بعشرات السنين.
لم يبن كلامه على نوايا، بل على مشاهدات على الأرض وحقائق عمي عنها من عمي، وأحسن قراءتها حزب التحرير، وما ذلك إلا لأنه حزب مبدئي، يعي ويعلم ما يجري من حوله، ويدرك كل المخططات التي تُحاك للإسلام بلاداُ وعباداً...ومبدأً.

وحين قال حزب التحرير عن اتفاقية الخيانة، اتفاقية أوسلو، أنها اتفاقية للبيع والتفريط أكدّ الواقع ما قاله الحزب.
وحين قرر بأن الانتخابات الفلسطينية فخّ يراد منه إيقاع الحركات العاملة في فلسطين في حبائل الغرب ومصيدة شرعته العفة صدق فيما قال، وعلم القاصي والداني فيما بعدُ أنها كانت فخاً، لكن الغرور والعناد والتكبر وعدم القبول بالإقرار بالفشل والخديعة جعلهم يرفضون العودة عنها واستمروا في جدائل شباكها ودهاليز مكائدها يتدحرجون إلى أن كبرت وعظمت المصيبة بقبول قوانين بنيت على أساس اتفاقية اوسلوا والانتخابات التي أجريت بناء عليها وتنفيذاً لها.

كل تلك إنما هي حقائق جرت وتجري على الأرض لا يعمى عنها إلا من يضحك على نفسه ويمنيها الأمانيّ ويضللّ الناس ليريهم الظلمة نوراً، والباطل حقاً والجريمة إنجازا.
ولا يضرنا إن قال جاهل أن المسألة محاكمة للنوايا، أو تقصّد لهذه الحركة أو تلك، فذاك لم يصل علمُهُ إلى الحدّ الذي يجعله يقف عند أحكام الله لا يخالفها.


وحزب التحرير -بفضل من الله ومنّة منه - أكبر من أن تحصر أفكاره إقليمية عفنة، أو أن يقف مدافعاً عن نفسه مبيناً انجازاته وتضحيات شبابه في أقطار المعمورة

فمن قتل من شبابه أو سجن أو نفي أعداد هائلة  وأكبر من أن يحصيها من كان عمله في بقعة من بلاد المسلمين ولا علاقة له بباقي بلاد المسلمين على اتساعها بحجة

أنه فلسطيني لا علاقة له بالشيشاني ولا الأوزبكي ولا القرغيزي ولا الأفغاني!!

ولا يجعل حزبُ التحرير من تضحياته وتضحيات شبابه طريقاً أو سلما يصل من خلالها إلى ما يغضب الله تعالى بحجة أنه ضحى وأن له تاريخ من الدماء!!

أولئك هم الذين يتعامون عن الحقائلا لا حزبُ التحرير، الذي يسّر الله تعالى له قيادة واعية حريصة مخلصة لله ولدين الله ولقضية المسلمين، كلّ المسلمين.

أما الذين يحاسبون النوايا فهم الذين ينطبق عليهم أمر من اثنين أو كليهما معا:

* الجهلُ عند من ينطبق عليه عذر الجهل شرعاً.

* ومحاولة -من علم منهم- تضليل الأمة وتقزيم قضيتها والجري وراء مصالح الدنيا.

ليست هناك تعليقات: