السبت، 10 سبتمبر 2011

العشى السياسي






 أصل كلمة العشى أو العشاوة من حيث المعنى: هو خلل يحصل لمستقبلات الضوء في شبكية العين، ومظهر
هذا الخلل حصول مشاكل في الرؤية الليلية، بحيث يتقلص النظر الجانبي عند المصاب فيصبح ويكأنه ينظر إلى الأشياء من خلال
 أنبوب دقيق، ومن أسبابه المعروفة: سبب وراثي، ونقص في بعض أنواع
الفيتامينات الضرورية للبصر.

وأريد هنا أن أستعير هذه الكلمة وألحقُها بكلمة أخرى غير " الليلي"، لتصبح " العشى السياسي"
ذلك أن كلمة الليلي والسياسي يشتركان بإصابتهما بمرض العشى أو العشاوة.

إذ يصاب " السياسي" بخلل في مستقبلات المعلومات عنده في دماغه، لتؤثر بالتالي على المعلومات الراجعة عنده،
 فتؤثر الأخيرة بدورها على فهم الواقع والتعامل معه.

فكما أنه في حالة العشاوة يصبح المصاب فيها غير قادر على التمييز بين الأشياء والألوان، وغير قادر
بالتالي على الحكم على ما تشاهده عينه " المصابة بالخلل" فتكون مخرجاتُ العملية " المريضة " هذه
سوءٌ في الفهم يتبعه سوءٌ في التصرف والتعامل مع ما يراه، أو ما يظن أنه يراه!

كذلك فإن العشاوة السياسية تظهر على شكل خلل في المعلومات الواردة إلى دماغ السياسي المصاب،
وتلقائياً يتأثر الدماغ بهذه المعلومات المغلوطة ويبني عليها حُكماً على شكل معلومات راجعة تكون هي
كذلك من جنس المعلومات الواردة إلى دماغه...مريضة وفي خلل فادح.

الساسة في الكيانات السياسية الزائفة في عالمنا الإسلامي تعاني من هذا المرض، فتظن أن سياستها
التي تطبقها على الناس، وصورة المواطن " السعيد " – خوفاً من الحاكم وزبانيته – تنعكس في أدمغتهم
ظانين أن المواطن بالفعل راضٍ عنهم وعن سياستهم، في حين أنه يعاني الأمرّين لكن لا يجرؤ على
إظهار امتعاضه أو رفضه أو اعتراضه خوفاً من السجن والتعذيب والملاحقة في النفس والأرزاق!
في حين أنه قد يكون – وأقول قد – هناك نوع من الراحة يشعر بها المواطن في جزئيات من جزئيات
الحكم والسلطان والقوانين المعمول بها.

لكن ذاك المثال لا ينطبق بحال على فلسطين وأهل فلسطين و " ساستها"
ذلك أنه لا يوجد فيها كيان
ولا يوجد فيها سلطان – حتى ولو كان زائفاً-
ولا يوجد فيها ساسة ولا سياسيون
إذ إن من متطلبات وجود ساسة وحكام أن يكون لهم كيان يمارسون فيه سياستهم
وحكمهم.

العشاوة السياسية في فلسطين سببها ليس حصول خلل في أدمغة من يدّعون أنهم ساسة في ظل احتلال
بني يهود، بل السبب هو عدم وجود الأدمغة عند من يدّعون أنهم ساسة ابتداءً !

كيف ذلك؟
كون ذلك بسبب أنه لا توجد عندهم معلومات راجعة ليحكموا عليها، ولا صورة زائفة خادعة ليبنوا
عليها حُكماً أو قانونا، فهم يعيشون في فراغ مع أنفسهم ظانين أنهم ساسة وحُكّام.

إذ أن أدنى معاني السياسة غائبة عنهم وهم عنها غائبون
وأن معاني الحكم والسلطان لا علاقة لهم بها ويظنون أن لهم كلّ العلاقة بها.

وعلى خلاف الدماغ والعين والشبكية التي تستقبل انعكاسات الضوء عليها
لتذهب بها إلى الدماغ ليحكم عليها ومن ثمّ يتم اتخاذ الإجراء المناسب تجاهها.

أقول، على خلاف ذلك، فإن أدمغتهم قطع عنها أي اتصال بواقع الناس، وتمّ تزويدهم بآلية نقلٍ للمعلومات
لا تمتّ للواقع بصلة، غير أنه تتم نقل المعلومات إلى أدمغتهم، فكيف تُنقلُ ومن ينقلها؟

لكي نجيب على هذا السؤال نبحث عن آلية نقل المعلومات إلى أدمغة " ساسة فلسطين" وما/من ينقلها،
فنجد أنه – ولقصور أدمغتهم وعدم صلاحيتها للفهم والربط – فقد استُعيض عنها بمبعوث أمريكي
كان سابقاً يسمى دايتون، وهو اليوم بمسمى جونز
جونز هذا هو البديل عن انعكاس الصورة أو الضوء على الشبكية ومن ثمّ إلى الدماغ
فلكي يريح ساسة فلسطين المتعبين من التبعية، المنهمكين في العمالة، ولا وقت عندهم
للتفكير، فقد أخذ المبعوث الأمريكي على عاتقه مسؤولية نقل الصورة التي يريد أن
يراها ساسة فلسطين.
وماذا عن جمع المعلومات وتحليلها؟
ولكي يتم جمع المعلومات وتحليلها في " أدمغة " السادة الساسة المحترمين، فقد أجلسوا معهم
في غرفة عمليات " الفهم والاستيعاب" جيراناً لهم هم أولى الناس بمساعدتهم، أو بمعنى
أدق إرشادهم وتوجيههم، وهؤلاء الجيران – الخلايا العصبية – هم بنو يهود أقرب الناس لهم
مودة وأنفعهم لهم من دون الناس.

فأصبحت آلية العشاوة ، أو العشى السياسي عند ساسة فلسطين مكتملة:
فأصبحت معلوماتهم التي تنعكس على أدمغتهم هي ما يريد مبعوث أمريكا لها أن تنعكس
وأصبح ما تراه أعينهم التي أصابها الخلل هي ما يريده هو منها أن تراه
وأصبحت عملية جمع وتحليل المعلومات بيد أوليائهم من دون المسلمين، بني يهود
وأصبحت قراراتهم المبنية على تلك المعلومات والتحليلات تنسجم تمام الانسجام
مع ما يوافق مصلحة أمريكا الممثلة بمندوبها، ومصلحة المساكين بني يهود!

فمن العدو ومن الصديق في عيني من أصابته العشاوة من بني جلدتنا ساسة فلسطين؟
أصبح العدو هم المسلمون الذين يقولون لا اله إلا الله محمد رسول الله
لأن " لا اله إلا الله محمد رسول الله" لا توجد معلومات سابقة عنها في أدمغة ساسة فلسطين
إلا أنها معلومات مزعجةٌ أصحابها أعداءٌ تنفر منها قلوبهم وعقولهم وتجعلهم يستنفرون
قواتهم وكأنهم في حالة حرب مع من ينطقون بها.
ومن صديقهم؟
هو من أخلص النية " للسلام " و " للمحبة " و " للتعايش " و " الانسجام" مع بني
يهود ووالاهم ولم يحدثه قلبه بمعاداتهم.
أما أن من أسبابها الوراثة:
فهي من باب أن الموروث الحضاري والعقدي عند ساسة فلسطين مستوحىً من فضاء
لا علاقة له بشرع الله، بنيت عليه " مورثاتهم الجينية " فأصبحوا- مثل خلايا الدم
المسئولة عن المناعة وأصابتها طفرة – يحاربون خلايا جسدهم بدل أن يحاربوا عدوهم.

والحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من الناس.



ليست هناك تعليقات: