الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

أدبُ الإختلاف...وقفة وتأمّل



إنّ من لا يريد من الناس - أو ممن يخالفونه الرأي في مسألة ما- أن يواجهوه برأيهم المخالف فيناقشونه ويحاورونه ويجادلونه، أقول أن من لا يريد ذلك من حملة الدعوة أو يستعظمه فهو لا يدري حقيقة ما يحمل للناس من فكر ورأي.

إن أحدنا، أيها الأفاضل، إن جلس مع نفسه وأغلق عليه باب بيته، وتأمل فيما يحمل من فكر ويدعو اليه فسرعان ما ستطفو على السطح بعض المسائل أو التساؤلات التي تستفز عقله فيبدأ بالتفكير ليجد إجابة عليها ليُقنع عقله ولتطمئن نفسُهُ.

من منا يُنكر هكذا أمر أيها الكرام؟
من منا لا تخطر على قلبه خواطر من هذا النوع أو غيره؟
إن من يُنكر على الناس أن يختلفوا معه، ويحتدّ حين يجادلونه بما عنده وعندهم
فإني لا أستبعد أن يكون هذا الشخص على استعداد أن يصارع عقله، ويختلف مع نفسه، ويحتدّ على عقله

للسبب الذي ذكرتُه آنفا، وهو أن من طبع الانسان أن تطفو عنده تساؤلات واستفسارات

فهل يُنكر على الناس أن يختلفوا معه؟؟!!
لا يُمكن أن يأتي إنسان بفكر ليطرحه بين الناس إلا أن يجد الناس على ثلاثة أصناف:
منهم الموافق إن اقتنع وآمن وأدرك وفهم
ومنهم الذي لا رأي له في حينه ويحتاج أن يفكر ويتمعن فيما يسمع ليحدد مكانه مما سمع.
ومنهم من يخالف ويشاكس ويستخفّ ويستسخف ويستهزيء....بما يسمع.
وهذا كله طبيعي ومتوقع ولا يُنكر مثله.
وذلك لاختلاف الناس وأحوالهم
ولتنوع قناعاتهم وأفهامهم
ولتباين قدراتهم العقلية .

فالصنف الأول قد أراحك من عناء الجدل والنقاش والإقناع
والثاني قطع شوطا جيدا كونه أعطى نفسه مهلة ليفكر، وهذا يكون الأمل فيه كبير
وقد يكون صعبا نقاشه فيما بعد تفكيره وتأنّيه في الردّ...لكن ان كان ممن يحترم عقله وعقل من يحاوره فلن يكون البون شاسعا بين الطرفين وفي النهاية سيتوصل الطرفان الى نوع من التفاهم.
أما الصنف الثالث:
فيا حامل الدعوة احذر، وتفكر، وخذ نفسا عميقا قبله أن تُظهر ردّة فعل متسرعة معه
فانه حين يخالفك، أو يطرح من التساؤلات ما قد تجد أنها مستفزة أو بعيدة عن الفهم السليم
فلا تحتدّ!!
ولا تتسرع في الرد!!
ولا تجعل اسلوب ردّك فيه انتقام لنفسك!!
ولا تضطرب، فان اضطرابك سيزيد من خفقان قلبك، فيزداد ضخّ الدم في جسمك، فيظهر هذا لصاحبك في جحوظ عينيك!!
وقد يزداد افراز الأدرينالين في جسمك فيؤدي الى ارسال اشارات الى جهازك العصبي فتكون ردة فعلك وكأنك تستعد لمواجهة عدو!!
وهذه كلها علامات ضعف فاحذرها.

والوضع السليم الصحيّ هو أن تسعد بمن يخالفك، وتبتهج أنه يناقشك، بغضّ النظر عن الاسلوب الذي يستخدمه في مخالفتك، سواء كان وديعا أو عدوانيا، هادئا أو عنفوانيا.....فلا تجعل من تلك الأوضاع حاجزا أمام عقلك فيضطرب ولا يستقيم
بل امتص تلك الحالات والأحوال واستثمرها لصالح دعوتك واجعل من تلك الاشارات التي تصدر عن الذي يخالفك رأيك مداخل لك لتفهم شخصيته وأسلوب تفكيره لتعرف مداخله ومخارجه وكيف توصل ما تريد ايصاله بأجمل حلّة

القضية هي أن نعرف إلى ماذا نريد أن نصل كحملة دعوة

أن نفهم هدفنا، وأن يكون واضحا لا تشوبه شائبة
فإن فهمنا وعرفنا سهلُ علينا كلّ صعب
وتلاشت العوائق والعقبات من الطرقات
وإن استمر وجودها فسرعان ما ستتحول الى تراب تُمهّد به الطريق

كيف؟ وهل الأمر بتلك البساطة؟

حتما ليست ببساطة الكلمات، غير ان الكلمات ما كانت إلا بعد أو وضُحت الطريق، وأشرقت الأهداف من بعيد فأنارت السبيل وأظهرت معالمه ومفاصله
هدفنا هو أن نرجع ويرجع معنا كلّ المسلمين إلى دينهم النقي الصافي المبلور
وأن نعبد الله على بصيرة
وأن يحكمنا كتابُ الله وسنة نبيه
وأن نزيل كل شائبة تعلقت بأهداب شريعتنا ممن أرادوا حرف المسلمين عن سبيلهم وجعلهم يسلكون دروبا شتى لا توصلهم الا إلى المزيد من الغبش والتيه والضياع والبعد عن دين الله
كل ما ذكرته واضح، فماذا بقي؟؟
بقي أن نحدد الخبث، والعالق من غير شريعتنا فيها لنزيله
وأن نبينه للناس بسهولة ويسر وبساطة ترتقي بهم ولا تنزل بشريعتنا الى ما هو دون مستواها
أنا لا أريد تحقيق الوعي الخاص عند جميع المسلمين
يكفي أن يتحقق عند روّاد عملية التغيير، وقد حصل
أما باقي المسلمين فيكفيهم ويكفينا أن يصبحوا قادرين على التمييز بين ما هو من الشرع وما هو مما سوى شرع الله
وأن يكون الحلال والحرام مقياسهم
وأن نشترك بالهموم جميعا، ليكون همّ المسلم في أفغانستان هو همه في فلسطين، في السودان، في أندونيسيا، في....في...في
رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه كانت تقوده أمة وعجوز في أسواق المدينة ممسكة يدها لا يتركها حتى تتركه
من هو؟؟
هو رســــــــول الله !!! صلوات ربي وسلامه عليه
قمة في الخلق والتواضع
وهو النبي المرسل، وهو الهادي المهدي حبيب الله الذي اصطفاه من دون البشر!!
وذاك الأمير الذي داس على رجل رجل وهو يطوف فقال له الرجل: هل أنت حمار؟؟
فأجابه الأمير: لا.
وانتهى الموضوع
هل قطع رأسه؟
هل استنفر جيشه؟؟
هل شحذ سيّافُه سيفه ليقطع عنق الرجل؟؟؟
لا....وانتهى الأمر

كأس الماء الزلال الذي نحمله ليشرب منه الناس ليذهبوا به عطشهم لا يجوز أن يكدّره مكدّر!!
فتعافه النفوس ليس لأنه لا يروي، بل لأن وعاء تقديمه للناس فيه شيء من الكدر والغبش مما أخفى حقيقة نقائه وصفائه.

نحن ( خدم) للمسلمين، وأكررها مليون مرة قبل أن أقول أننا نعمل لأجلهم ولصالحهم بإخراجهم مما أوقعهم فيه الضالون المضلون.
والخادم ذكرتُهُ لآخذ منه صفة التواضع، والسعي الجاد لخدمة مخدومه، ولإخلاصه في التعامل معه، ولحرصه على من يعمل في خدمته، ولأمانته، وليس لضعفه ولا لدونيته....

ربّنا اجعل كلّ أعمالنا خالصة لوجهك الكريم

ليست هناك تعليقات: