الأربعاء، 2 ديسمبر 2009

رسالة إلى علماء المسلمين عامة، وعلماء الأزهر الشريف خاصة





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

عن تميم بن أوس الداري، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدّين النصيحة –ثلاثاً- قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم.

عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على اقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم . متفق عليه

السادة العلماء الكرام
أيها العلماء الأفاضل في الأزهر الشريف
إنه من أوجب الواجبات الآكدة أن يتناصح المسلمون فيما بينهم، خاصة فيما كان فيه محافظة على الشريعة، وأن يكون المسلم مرآةً لأخيه ينصحه ويرشده ويذبّ عنه فيما هو مشروع، فلا يعينه على ظلم ولا يورده المهالك ولا يسلمه.

وأنتم العلماء الأفاضل، قد رفع الله مقامكم ، وأعلى مناركم ، وجعلكم مشاعل الهدى في دياجير الظلمات ، والنور للورى إذا ادلهمت عظائم الملمات ، وبيّن فضائلكم في كثير من الآيات البينات ، وجعل ما اختصكم به من العلم نوراً يلتف الناس حوله ، وبلسماً يقبلون عليكم من أجله.
فقال عز وجل ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، إنَّ الدين عند الله الإسلام)
فكذا كانت مكانتكم؛ مكانة العلماء الربانيين، الذين يعلم الناسُ عظيم قدرهم، وينزلونهم منازلهم ويرفعون لهم من قدرهم بما حباهم الله من الفضل والكرامة، وبما التزموا من دين الله وشرعه. فالربّانيّون من العلماء هم الذين يحفظون لله دينه وتُعظّمون شعائره، ويزيلون اللُبس عمّا غشي على الناس، فيستقيم أهل الحقّ على الحق، ويميزُ اللهُ بهم الباطل وأهله ودُعاته.

نعلمُ أيها العلماء الكرام، أن دين الله لا يمكن أن يستقيم حالُ تمام الالتزام به حملا وتطبيقا إلا بإمام واحد مطاع على رأس دولة واحدة تجمع شتات المسلمين فيعزّوا بدين الله ويستعيدوا كرامة فقدوها حين هانت عليهم شريعة ربّهم وسكوتهم عن غياب دولة العزّة والكرامة، دولة الخلافة التي عزّ في ربوعها الأوائل من المسلمين الذين سبقونا بإحسان، والذين تبوؤا مراتب العلا وصدارة الأمم حين استظلوا بظلها لقرون وقرون..
فإنكم تعلمون – وأنتم من يعلم – أنّ المسلمين اليوم لا يمكن أن يعودوا أعزّة إلا بما عزّ به أوائلهم.
فأنتم يا من حباكم الله بما شحّ عند المسلمين اليوم – العلم الربانيّ – تدركون الغثّ من السمين، وأنتم على يقين بأن الدائرة التي دارت على المسلمين بفعل فاعلين، قد جرّدتهم من الإرادة والسيادة، وكما أفقدتهم – إلا من رحم ربي منهم- الجوّ الإيماني الذي به فقط يكون ربط الدنيا بالآخرة ربطا يرضى عنه الله ويرضى عنه ساكن الأرض والسماء، فما عادت أحكام الله تسيّر أعمالنا، ولا توجه أفعالنا، وفقدنا بوصلة الأيمان فتاهت بنا السبل عن سبيل الله، فتفرقنا شيعا وأحزابا كلّ حزب بما لديهم فرحين، في حين أن درب الحقّ واحدة لا تتعدد، وطريق الإيمان بالله وبما أنزل من الحق لا ثاني لها، وأحكام الله منبتها واحد لا منابت متعددة تلك شرقية وهذه غربية!!
وأصبح دينّ الله سلعة يتاجرُ بها من لا خلاق له، فهذا لمصلحة يقول بشرع الله ما لم يقل الله تبارك في علاه، وذاك من باب جهل يتقولّ على الله، وآخر سيطر عليه الخوف من المخلوق على حساب الخوف من الله، وغيره تجمّلت الدنيا في عينيه فاستحسنها واستحسن جمالها المتوهّم فتبعها اتّباع المغتر المفتون فضلّ وما اهتدى!!

والعلم دين أيها الكرام، والواجب الذي أوجبه الله عليّ كمسلم أن أُحسن منابع ديني فلا أستقيه إلا من أصوله، فلا آخذ بظنّ في الاعتقاد، ولا أتيه على غير هدى وبصيرة غير متخذ حكم الله قائدا ومرشدا، ذلك أن المسلم لن يُحاسب إلا عمّا اقترفت يداه، وبما قدّم من أعمال يوم لا ينفع مالُ ُ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والأمر كما قرّر الله تبارك في علاه : ( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) صدق ربي في علاه.

ودين الله أيها الكرام أمرُ ُ عظيم عجزت الأراضين والجبال عن حمل أمانته، فمسؤولية حمله وتبليغه بعد الأنبياء هي للعلماء أمثالكم، أمانة عظيمة تحملونها على كاهلكم، وتلك الأمانة – أيها الأفاضل- لها صاحب سيسألكم عنها وعن مواضعها التي وضعتموها فيها، وعمّا فعلتم فيها، وهل أحدثتم فيها من غيرها أم بقيت عندكم صافية صفاءها الذي كان من أصلها ونبعها؟
وسائلُكُم عنها هو ربّي وربّكم، قيّوم السماوات والأرض، من إليه المعاد وبيده مصير العباد.

السادة العلماء الكرام بما كرّمهم الله من علم وحرص على شريعته،
لا يخفى عليكم أن من ( العلماء) من يتقوّل على الله، ويتجرأ على دينه وأحكامه، ويستهزئ بها، ويأتي بما لم تأت بها الأوائل فيما يحمّل فيه أحكام الله ما لا تحتمله.
ومنهم من ( استمرأ) هذا الحال فلم يعد يعير شريعة الله أيّ اهتمام بما يفتي به، وعيوننا إليكم ناظرة، وبالعلماء الربانيين تستنجد وتنادي: هل للخلاص من الافتراء على دين الله من سبيل؟
وهل للحقّ دعاة لا يزالون بيننا يصدعون لا يخافون في الله لومة لائم؟
وهل للعلم حُماة يبعدون عن حماه كلّ مندس مفتر مدنّس مُدخل على دين الله ما ليس منه؟

أيها العلماء الكرام:
هل لي كمسلم يغار على دين الله أن يناديكم ويستصرخكم أن هبّوا لحماية شريعة الله من التحريف والتزييف؟
ولوقف التضليل الذي يوقعُهُ علينا دعاة على أبواب جهنّم لا يُحرّمون ما حرّم الله ولا يحللون ما أحلّ؟
من بين ظهرانيكم، يا علماء الأزهر تخرج أصوات منكرة، نُنكرُها كمسلمين، ولا تستقيم مع عقل سليم ولا فطرة فطرنا الله عليها !!
أيها الكرام: ما كنت لأبعث لكم برسالتي هذه لولا أنّ الخير فيكم ملموسُ ُ
والغيرة عندكم على دين الله نراها عندكم
والحرص على شريعة الله من التغيير والتبديل غير مستبعد ولاغريب عنكم.
تزلزلُ الأرض من تحت أقدامنا فتاوى سمعناها ونسمعها من قبل مفتي الديار عندكم ومن شيخ الأزهر
ذاك الأزهر الذي أنتم منه وهو منكم، منبر العلم، ومُخرّج العلماء الذين كانت لهم في التاريخ بصمات يُحمدون عليها ويذكرهم الله تبارك في علاه عنده بسببها.

لن أخوض في الفتاوى التي سمعنا ولا زلنا نسمع بها، فأنتم مثلنا تسمعون ما نسمع،
غير أنني أكرر النداء لكم أيها الكرام:
إن حال المسلمين – كلّ المسلمين – هو كما ترون وتسمعون؛ تشرذم، وهوان وذلّ وانتهاك أعراض وسلب أموال وتضييع حقوق، وللكافرين على المسلمين كلّ السبل وليس سبيلا واحدا فقط!!
فهل منكم من يعيد للمسلمين سيرتهم الأولى؟
ويكون فيهم مثلما كان العزّ بن عبد السلام؟
ويطالب بجمع كلمة المسلمين على إمام واحد يحكمهم بكتاب الله وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه؟
ويتسربل بلباس القوة، قوة الحقّ، قوة الدّين الذي ما عزّ الأوائل وما سادوا العالم إلا به؟
وينبذّ عن كاهله أعباء الحكام الفسقة الفجرة ويصدع بالحق لا يخاف لومة لائم؟

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه
من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث ، من إذا حدثهم صدقهم ، وإذا ائتمنوه لم يخنهم ، وإذا وعدهم وفى لهم ، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم ، وتظهر له معونتهم ".

أيها العلماء الكرام:
لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله أحبار أهل الكتابولو نفع العمل بلا أخلاص لما ذم الله المنافقين .
العلماء الأفاضل: اعلموا أنّ الله منجز ما وعد المؤمنين حين قال:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
[النور: 55]
وبشارة نبي الله صلوات ربي وسلامه عليه :
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضّاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت)

واعلموا أنّ أمة خير الخلق محمد، الأمة التي فيها الخير إلى يوم القيامة تعرف الغثّ من السمين، وتميز بين الحق والباطل، وتفرّق بين العلماء الربانيين من غيرهم، وأنها لا ولن تنسى من خدمها وخدم دين الله، كما لا تنسى من خذلها وخذل دين الله

فاختاروا لأنفسكم يرحمنا ويرحمكم الله، ودوّنوا أسماءكم بأحرف من نور بما تخدمون دين الله لا تخافون فيه لومة لائم، فكلّ إلى زوال، وهي من ثمّ إلى جنّة أو إلى نار، فاقتعدوا لأنفسكم عند بارئكم مقاعد صدق تفوزون بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

قال الله تعالى‏:‏ ‏ «‏يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون» ‏الأنفال‏:‏ 24‏‏

والحمد لله ربّ العالمين.
سيف الدّين عابد
13/5/2009م.

ليست هناك تعليقات: