الأحد، 22 نوفمبر 2009

صدق المشاعر وحده لا يكفي


في خضمّ  الحرب المستعرة على المسلمين في غزة هاشم، وفي أثناء الدقائق والساعات والأيام التي كانت سماء غزّة وأرضها تُمطر بشتى أنواع أسلحة الدمار، منها ما عرفه العالم، ومنها من لم يعهده بعد، وفي الوقت الذي كانت الأشلاء تتطاير، والدماء تنزف، والصرخات تعلو الآهات، وحين اسودت الأرض من هول ما يقع من تدمير على رؤوس المسلمين، بادرتنا الأخبار في الفضائيات بشعاع من نور، وقبس من أمل لاح في أفق الأمة!!
  
حيث خرج المسلمون في شتى بقاع الأرض، متظاهرين، غاضبين، يلوّحون بصور الدمار وصور الجثث من أطفال وشيوخ ونساء.

وفي كلّ بلد من تلك البلاد التي خرج المسلمون فيها متظاهرين متكاتفين، كانت ألسنهم تلهج بالدعاء لمسلمي فلسطين أن يخلصهم الله مما هم فيه من بأس ومحن

كذلك، كانت ألسنهم تلهج بالدعاء على الحكام المحكّمين على رقاب المسلمين في بلاد العرب والمسلمين، واصفين إياهم بكل ما يُمكن أن نتخيل من أوصاف تخلو من أي احترام أو تقدير لهم، مجمعين على نعتهم بالخيانة والعمالة والتبعية، وأنهم هو العائق أمام نصر المسلمين في غزّة هاشم وغيرها.

مشاعرهم جياشة، عارمة كالسيل العرم، يخال لي حين أراهم أن أمة محمد صلوات ربي وسلامه عليه قد استيقظت بعد رقاد طال أمده، فبالرغم من اختلاف ( الألسن) واللغة، واختلاف الوجوه- هذا أبيض، ذاك أسمر، الآخر أصفر وذاك أسود- إلا أن المشاعر واحدة:

غضب ليس بعده غضب، ونيران تغلي في الصدور تريد أن تحرق ما يمنعها ويصدها عن سبيل الله

كل ذلك رائع، بل مما يثلج الصدور شيئا ما في خضمّ ما يجري من تقتيل،

لكن فليسمح لي أصحاب المشاعر الصادقة حقيقة تلك أن أسألهم أسئلة:

وماذا بعد؟ ماذا تريد من تلك المشاعر الطيبة- التي نريدها فعلا- أن تُنتج وتُثمر؟

ما الذي أخرج تلك المشاعر، وما الذي حرّكها، وما هو الضابط لها حتى تؤتي أكلها؟

لنركّز قليلا على المطالب في تلك التظاهرات، فهي في مجملها كانت تُطالب بما يلي:

- دعوة العالم ليوقف المجازر التي يقوم بها بنو يهود !!
فمن الذي سيوقف ( اسرائيل) عمّا تفعله؟ من المخاطب في هذه الدعوة؟ مجلس الأمن؟ الأمم المتحدة؟ فكلهم مجتمعين مجمعون على عدم المساس بكيان يهود، ومحاربتهم للاسلام والمسلمين... فعلى من تنادون؟؟

- مناشدة الأنظمة في العالم العربي والإسلامي للوقوف صفا واحدا في وجه ( اسرائيل)!!
فيا أصحاب المشاعر الصادقة الذي تطالبون بهذا المطلب، كيف توفقون بين عمالتهم وخيانتهم، وبين وقوفهم صفا واحدا في وجه بني يهود؟؟ فهذا مطلب لا يستقيم مع العقول السليمة فضلا عن أنه لو اجتمع المشرق والمغرب في اشراقه وغروبه فان هؤلاء الأقزام العملاء لن يجتمعوا..فتأملوا يرحمكم الله

- دعوة العلماء لاصدار البيانات في هذا الشأن
وقد وجدنا من العلماء من هدى اللهُ وصدق مع نفسه، ومنهم من وصف مظاهراتكم بأنها مفسدة وتلهي عن ذكر الله!!
لكن، ومع أن منهم من أصدرى الفتاوى والبيانات، فما هي النتيجة يرحمكم الله؟؟

- المطالبة بفتح باب الجهاد والسماح للمسلمين بعبور الحدود للدفاع عن إخوانهم!!
هذه مطالبة مكررة مبتذلة، لا تعني شيئا الا ان وضعت في موضعها الشرعي الصحيح، فلن يعلن الجهاد، ويحشد المسلمين للجهاد، ويجاهد أعداء الله إلا حاكم مسلم واحد مطاع يجمع المسلمين جميعا في كيان واحد.

هذه بعض المطالب التي نسمعها في التظاهرات، وكلها كما ذكرتُ تخرج من قلوب طيبة تريد الخير للمسلمين
لكن النية الصادقة وحدها ايها المسلمون لا تكفي، كما أن النية الصادقة الصافية لا تُدخل صاحبها الجنة، بل قد تكون هي سبب تعذيب الله له، لأن المطلوب فوق صدق النية والإخلاص فيها العمل الذي يتقيد فيه المسلم بأحكام الله وشرعه، لا بعقله ولا هواه ولا ما يحب ويكره،

ولنعلم كذلك أنه في فترات الكوارث والنكبات التي تحيق بالأمة تبرز أدوار لجهات وأشخاص وجماعات لها عمل مهم، بل غاية في الأهمية تجاه حرف المسلمين عن غايتهم الصحية، وتوجيه مشاعرهم الوجهة التي تخدم الأنظمة وأعداء الله، وتبعدهم عن سلوك الطريق الصحيح المفضي الى تفريغ تلك المشاعر تفريغا صحيحا ووضعها في نصابها السليم الذي يؤدي الى حل المشكلة من جذورها

فدور تلك الأنظمة و والجهات الأخرى – من مثل المعارضة في كل بلد التي تعمل في الدولة في حدود ما وضع لها النظام من ضوابط لا تتعداها ولا تتخطاها بحال- اقول دورها امتصاص ذاك الغضب وتفريغه في غير محله، فيجعلوا بسيطي التفكير وسطحييس التفكير من المسلمين يظنون أنهم بتظاهراتهم ومطالباتهم تلك قد أنجزوا انجازا غاية في الأهمية، فيذهبوا بعدها الى بيوتهم هانئين مطمئنين أنهم قد قاموا بما يطلبه الواجب منهم!!

وتلك هي الطامة أيها المسلمون، ذلك أن المسلم الذي استقام عقله، وفهم مقاصد شرع الله يضبط مشاعره بمقياس شرع الله تبارك وتعالى، فتنتج تلك المشاعر عنده فكرا، منطلقا من شرع الله، يقوده الى البحث في كتاب الله وسنة نبيه عن الفعل الواجب عليه القيام به تجاه ما أوجد عنده مشاعر الغضب تلك

لا أن تكون مشاعره من النوع الذي يخبو و ينتهى بمجرد القيام بعمل، أي عمل!!

فهذا المسلم حينها لا يمكن أن يكون منطلقا في أفعاله أو أقواله من شرع الله وأحكامه

وكما قلت، هناك دائما من ينتظر مشاعر الغضب والسخط تلك أن تظهر حتى يقوم بالعمل المطلوب منه وهو توجيهها الوجهة الخاطئة، والناس يظنون به خيرا!!


في مصيبة كمصيبة المسلمين هذه الأيام، والتي تراق فيها دماؤهم، ويباد فيها البشر والحجر والشجر، حري بكل مسلم أن يقف وقفة صدق مع نفسه وربّه، وأن يعلم أنه لا مخرج ولا منقذ ولا معزّ للمسلمين إلا شرع الله كما أمر الله

وأن مطالباتنا لأعداء الله أن ينتصروا لنا هو خروج على أحكام الله، وعدم تصديق لما قرر الله في كتابه العزيز من أن الناصر هو الله، وأن الاستعانة والاستضاءة بنور المشركين والمنافقين وأعداء الله – ومن ضمنهم المحكّمين فوق رؤوسنا في بلاد المسلمين – حرام حرام حرام
  
وأن المسلمين لن يعودوا أعزة إلا بما عزّ به أولهم، أي بدين الله وشرعه

ولا يكون دين الله وشرعه أداة عزّ لنا ونصر إلا إذا كنا تحت راية أمير واحد، في دولة واحدة، يحكمنا كتابُ الله وسنةُ نبيه صلوات الله وسلامه عليه


أسأله تبارك في علاه أن يعز الاسلام والمسلمين ويرفع عنا ما نعاني ونكابد
  
انه أهل ذلك والقادر عليه

والحمد لله رب العالمين.



هناك تعليق واحد:

طالب عوض الله يقول...

بارك الله في كاتب المقال وأجزل له العطاء
تحليلات فكرية راقية
ومبروك المدونة

أخيك : طالب عوض الله